الإنسان بين العنجهيّة والدمار: لماذا لا تنعم بلاد المسلمين بالسلام؟

الإنسان بين العنجهيّة والدمار: لماذا لا تنعم بلاد المسلمين بالسلام؟

(أبين الآن) كتب | محمد هادي السليماني

منذ فجر التاريخ، لم يتوقف الإنسان عن ممارسة العنف، كأنّ في داخله جوعاً لا يرتوي للسيطرة وسفك الدماء. ومن بين أكثر ضحايا هذا النزوع الدموي هم المستضعفون، وعلى رأسهم المسلمون في مختلف بقاع الأرض. فالسؤال المؤلم الذي يفرض نفسه بإلحاح: لماذا تتكالب قوى الشرّ على المسلمين؟ ولماذا لا تنعم بلادهم بالسلام؟

العنجهيّة البشرية: نزعة تاريخية نحو الهيمنة

لقد أثبت التاريخ أن الإنسان حين يتمكن، يصبح أكثر توحشًا. العنجهيّة التي تحكم سلوك الأقوياء لا تقف عند حدّ، إذ يرون في أنفسهم مركز الكون، وفي غيرهم أدوات أو أعداء. وبدلاً من أن تكون القوة أداة لحماية الضعفاء، أصبحت وسيلة لقهرهم. هذا النمط المتوحش يظهر جلياً في تعامل القوى الكبرى مع المسلمين، حيث تُفرض الحروب، وتُزرع الفتن، وتُشعل الصراعات الداخلية باسم "الحرية" أو "مكافحة الإرهاب".

لماذا المسلمون؟ ولماذا الآن؟

أمة الإسلام، رغم ضعفها السياسي، تظل في نظر الكثير من القوى الاستعمارية والأنظمة العنصرية تهديداً محتملاً لمنظومة الهيمنة العالمية. فالإسلام كدين يحمل في جوهره مشروعًا تحرريًا يعيد للإنسان كرامته، وللمجتمع تماسكه، وللحياة معناها العادل. هذه القيم تتصادم مع أطماع الطغاة، سواء كانوا دولاً استعمارية قديمة، أو أنظمة وظيفية زرعت في جسد الأمة.

من هم أعداء الأمة؟

ليس عدواً واحداً من يقف وراء المآسي التي تعيشها بلاد المسلمين، بل هو تحالف معقد ومتعدد الأوجه:

1. القوى الغربية الاستعمارية: الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا وغيرها ممن قادوا حروباً مباشرة أو بالوكالة في العراق، سوريا، ليبيا، أفغانستان، واليمن.

2. الكيان الصهيوني: الذي لم يكتفِ باغتصاب أرض فلسطين، بل أصبح لاعبًا محوريًا في مشاريع تمزيق المنطقة.

3. أنظمة عربية وظيفية: تم زرعها أو دعمها لتكون أدوات قمع داخلي وتفكيك للهوية الإسلامية.

4. الميليشيات الطائفية والمشاريع العابرة للحدود: التي تُستخدم كوقود لصراعات طويلة المدى تحت شعارات مذهبية لا تخدم سوى أعداء الأمة.

حروب إبادة وتطهير عرقي ممنهجة

من ميانمار إلى فلسطين، ومن كشمير إلى إفريقيا الوسطى، يتعرض المسلمون لحملات إبادة وتطهير عرقي مروّعة، في ظل صمت دولي مريب. في كل مرة يُقتل فيها الآلاف، ويُهجّر الملايين، ويُجتث الإنسان من جذوره، تُرفع شعارات حقوق الإنسان، ثم تُرمى في سلة المهملات إن كان الضحية مسلمًا.

لماذا لا تنعم بلاد المسلمين بالسلام؟

لأن السلام لا يُمنح، بل يُنتزع. وبلاد المسلمين، في كثير من الأحيان، تقع ضحية لأنظمة مستبدة، وقيادات خائنة، ونخب مستلبة، وجماهير مغيبة. كما أن غياب مشروع وحدوي إسلامي قوي جعل الأمة مكشوفة أمام الطامعين.

الخلاصة

العنجهيّة البشرية حين تجتمع مع المصالح الاستعمارية، تُنتج أسوأ صنوف الإجرام، والمستضعفون من المسلمين هم أكثر من يدفع الثمن. ولن يتحقق السلام في بلاد المسلمين ما لم تستيقظ الأمة، وتتوحد كلمتها، وتُبنى فيها أنظمة تعبر عن إرادة شعوبها، وتستعيد هويتها وتوازنها الحضاري.