وأبيضت عيناه
حالة من الحزن, بل مرحلة من الحزن بلغت منتهاها.. مرحلة من الوجع وصلت ذروتها. وحالة من الشوق والحنين (أثخنت) ذلك الجسد الذي يتحرق شوقا ووجعا والما..
وأبيضت عيناه من الحزن.. لم يكن حزنا عابراً, أو وجعاً زائراً, أو دموعاً سائحة, بل قهرٌ سحق تلك الدواخل وأضرم نار الأنين بين جنباتها فالفقد حالةٌ تقتل كل معاني الحياة إذا بلغت ذروتها..
وأبيضت عيناه من الحزن .. ليس كأي حزن وليست كأي دموع أو أي معاناة ,فالأولى فقدان العزيز, والثانية فقدان الونيس, وكما يقال ضربتين في الرأس مؤلمة..
وأبيضت عيناه من الحزن .. حالة من التيه في عالم العجز أمام كيد ومكر ودهاء (شيطاني) أوجع ذلك الكهل الذي تعلق قلبه (بلفذة) كبدة وماء مقلتيه وعبير أنفاسه..
وأبيضت عيناه من الحزن .. كانت تلك أقصى مرحلة يصل لها ذلك (الشائب) الذي لم يكن يملك إلا أن يسّلم أمره لله يقيناً أن بعد هذا التيه وتلك المعاناة حالة من الاستقرار وسعادة لن يتسع لها الكون الفسيح..
وأبيضت عيناه من الحزن فهو كظيم.. ما كان ليصل لهذا الأمر إلا لان الوجع قد (أستوطن) سويداء قلبه وأستعمر روحه التي لم تشف بعد أن انكسرت (بذئب) الأخوة المصطنع (ودماء) القميص الزائفة..
وأبيضت عيناه من الحزن .. لن يصلها إلا من عاشها, ولن يشعر بها إلا من ذاق مرارتها وتجرع كؤوس (غصتها) المالحة التي تنساب على الوجنتين كأقل حالة من البؤس والأنين..
وأبيضت عيناه من الحزن .. تحط جحافلها ورحالها في أعماق أعماق الذات وتعصف بصاحبها كلما مرت أطياف الذكرى أو أشتاق القلب (وحنّت) الروح لمن كان ونيسها وكحل عينها..
وأبيضت عيناه من الحزن .. كانت الصدمة القاتلة وبداية للعزلة ومعاقرة الوجع وحيدا في عالمِ يسوده الظلام (الدامس) والرضاء بذهاب (حبيبتيه) في سبيل أن لا تكتحل بعد فقدان فلذتا كبده..
وأبيضت عيناه من الحزن .. كانت البداية للشعور بالعودة والرجوع والخلاص مما حاكه الشيطان لتمزيق وشرذمة (الأخوة) ونفث سمومه بينهم, فكان (القميص) ورائحته (أكسير) الحياة والعودة..