نحو أسلوب حياة رشيق: تغيير سلوكياتنا لا البحث عن وصفات سحرية
يسألني البعض، عبر الرسائل الخاصة أو اللقاءات، عن وصفة مضمونة لإنقاص الوزن. وهذا السؤال ينم عن نظرة مغلوطة ناتجة عن ثقافة غذائية سطحية، رسّختها دعايات مضللة ومؤثرون يبيعون الوهم. أقولها بكل صراحة: لا توجد وصفة سحرية لتخفيف الوزن، ومن يزعم ذلك فهو إما جاهل أو دجّال، والأدهى أن بعضهم يستخدم وصفات تؤدي إلى الإسهال الشديد، مستغلين وهم "إزالة السموم"، والنتيجة: إجهاد، هزال، وربما انهيار صحي.
الطريق الوحيد الموثوق علميا ومنطقيا وصحيا هو تغيير السلوك الغذائي والحركي. وليس السر في نوع طعام واحد أو عشبة معينة؛ بل في أسلوب الحياة اليومي!
البطن بيت الداء، ورأس الدواء الحمية، كما قال الأطباء الأوائل، وكما دلّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والسمنة ليست فقط زيادة في الأكل. هناك عوامل نفسية وسلوكية وطبية قد تلعب دورا كبيرا. وأحد أغرب الأمثلة ما حدث مع مريض تمت له زراعة بكتيريا أمعاء (عن طريق زراعة براز من شخص سليم إلى مصاب بمتلازمة القولون وكانت حرحيا لكلا الشخصين)، فشُفي من مشكلة القولون، لكنه أصيب لاحقا بالسمنة! وبعد التحقيق وُجد أن البكتيريا المزروعة من الشخص السليم كانت تحتوي نوعا يسبب السمنة، فكانت النتيجة سمنة معدية! ووصل الأمر إلى رفع قضايا قانونية ضد الفريق الطبي.
أنا ممن لديهم قابلية ربما وراثية للسمنة، ومع ذلك حافظت على وزن يتراوح بين 73 و75 كيلوجراما، دون أن ألجأ إلى وصفة واحدة؛ بل باتباع هذه الاستراتيجيات:
- المشي يوميا واستغلال كل فرصة للحركة، حتى إنني أعتذر لأصدقائي إذا عرضوا إيصالي بمركباتهم، لأنني أحتاج المشي!
- الابتعاد عن الدهنيات والمقليات واللحوم قدر الإمكان، والتركيز على الخضار والفواكه الرخيصة.
- فرض سلوك غذائي صحي داخل الأسرة، فأمنع المقليات وأحث على الطبخ بالسلق. الصعوبة الوحيدة عندي هي التخلي عن الدقيق الأبيض لعدم اقتناع الأسرة بالبدائل وارتفاع سعرها.
- الالتزام بنظام نوم طبيعي: نوم مبكر، قيلولة خفيفة، واستيقاظ مبكر.
- تناول الطعام عند الجوع فقط، وتركه رغم وجود شهية.
- تجنّب الأكل الجماعي، لأنه غالبا ما يؤدي للإفراط.
- استبدال الحلويات بالفواكه المتاحة بسعر زهيد.
- الامتناع عن المشروبات المحلاة، حتى الشاي امتنعت عنه منذ رمضان لهذا العام.
- ممارسة الرياضة من خلال الأنشطة موسمية تتمثل في تقطيع الحطب منزليا، وهو نشاط يخفّض 3 كيلوجرامات سنويا تقريبا حيث توجد حول منزلي كثيرا من نبات المسكيت المزعج فأخفف منها بالاحتطاب.
- عدم شرب الماء أو السوائل أثناء الوجبات إلا للضرورة.
- نصح الأصدقاء عند تناول الطعام معهم، وتفضيل اختيار السمك أو الدجاج المسلوق للأكل معهم. ومن أغرب المواقف أن أحد أصدقائنا المريض بالضغط والسكر اختار طعاما غير صحي في حين اخترنا نحن الطعام السليم!
أما بخصوص الأرز، فهو ليس عدو الجسم كما يُشاع. هذه بظني أنها إشاعات عالمية لتسويق بدائل أخرى كالقمح الغربي. وفي الغذاء الاعتدال وحده لا يكفي، بل الإقلال والتنوع هو الأساس. لقيمات متنوعة خير من وجبة دسمة أحادية.
في نهاية المطاف، مشكلة الوزن الزائد ليست في نوع الأكل بقدر ما هي في طريقة التعامل معه. نحن كمسلمين نؤمن بأن الغاية من الطعام هو تقوية الجسد لعبادة الله وخدمة المجتمع، لا التلذذ المفرط والركض خلف الشهوات. قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ﴾ [محمد: 12].
فلنغيّر سلوكنا، نغيّر أجسادنا، ونغيّر حياتنا.
والله تعالى أعلم!
ودمتم سالمين.