الكمبوست اللاهوائي... بين الضرورة والتحريف: دليل للإنتاج المضبوط
في ظل الحاجة المتزايدة لإدارة النفايات العضوية واستغلالها بطريقة مستدامة؛ أصبح الكمبوست أحد الحلول البيئية التي تتصدر المشهد؛ لكن في بعض المناطق التي تفتقر للتقنيات أو التوعية، انتشرت طرق خاطئة لتحضيره، خاصة الكمبوست اللاهوائي، مما جعل هذا النوع من السماد يتحول من حل إلى خطر!
ورغم أن الخيار الأفضل بيئيا وزراعيا هو الكمبوست الهوائي، إلا أن الواقع يفرض علينا التعامل مع الكمبوست اللاهوائي - لا حلا فيه؛ بل حرصا على تقليل أضراره عبر تصحيح مساره.
الكمبوست اللاهوائي هو ناتج تحلل المواد العضوية (مخلفات نباتية وحيوانية) في بيئة مغلقة خالية من الأكسجين. هذه البيئة تُنتج غازات كالميثان وثاني أكسيد الكربون، وفي بعض الأحيان غازات ضارة ككبريتيد الهيدروجين، والرائحة الكريهة واحدة من علاماته المميزة.
وتكمن مشكلة في التحريف المنتشر في إنتاجه؛ فالكثيرون يرمون النفايات العضوية داخل حفرة ويغطونها فقط، متجاهلين المعايير الأساسية مثل نسبة الرطوبة، ونسبة الكربون إلى النيتروجين، وفترة التحلل، والعزل عن الهواء والماء.
وتظل الحاجة الملحّة هي إنتاجه بأقل ضرر ممكن؛ لأن الطريقة الخاطئة قد تُنتج سمادا ملوثا يحمل مركبات سامة تؤثر على التربة والنباتات والإنسان.
وخطوات الإنتاج الصحيحة للكمبوست اللاهوائي تتمثل في:
- اختيار الموقع وتجهيز الحفرة أو الخزان؛ تحفر حفرة بعمق 1.5 إلى 2 متر، أو استخدم خزانا محكما بغطاء محكم. وغطِّ الجدران بطبقة عازلة (بلاستيك سميك أو بطانة إسمنتية) لمنع التسرب إلى التربة.
- اختيار المواد العضوية المناسبة، حيث تستخدم مخلفات نباتية وروث حيواني غير مختلط بمواد بلاستيكية أو صناعية.
- تحقيق التوازن بين الكربون والنيتروجين حيث تكون نسبة الكربون إلى النيتروجين ما بين 25:1 إلى 35:1. أي 3 أجزاء قش + 1 جزء روث طازج.
- ترطيب المواد بنسبة مناسبة، ويجب أن تكون الرطوبة ما بين 50% إلى 60%، أي أن المادة يجب أن تكون رطبة ولكن لا تُخرج ماءً عند عصرها باليد.
- تحميل الحفرة أو الخزان، برصّ المواد العضوية في طبقات. وتضاف من 5% إلى 10% من "مادة بادئة" (محتوى من تخمير سابق، أو روث متحلل جيدا)؛ لتحفيز البكتيريا اللاهوائية.
- الإغلاق التام والجيد للحفرة باستخدام بلاستيك سميك أو غطاء معدني معزول. ويجب منع دخول الهواء نهائيا، لأن وجوده يخلّ بالعملية ويؤدي إلى تحلل متعفن ضار.
- وتتراوح مدة التخمير في الحفرة أو الخزان من 30 إلى 90 يوما حسب درجة الحرارة ونوعية المواد. ففي الجو الحار (أكثر من 35م°) تنخفض المدة، والعكس في الشتاء.
وبعد فتح الحفرة، يجب تعريض السماد للهواء لمدة لا تقل عن 10 أيام لتخليصه من الروائح والغازات السامة. ويُقلّب 2 إلى 3 مرات خلال هذه الفترة. ولا يُستخدم مباشرة على جذور النباتات؛ بل يُخلط مع التربة بنسبة لا تتجاوز 20–30%.
وينبغي عدم استخدامه في المحاصيل الحساسة كالفواكه أو الخضار الورقية إلا بعد التأكد من نضجه.
وإذا كانت رائحته كريهة جدا؛ فقد يكون التخمير فاسدا، مما يستدعي تهويته لعدة أيام إضافية.
وإن أمكن فحص الملوحة، ودرجة الحموضة، والعناصر الثقيلة فهو مهم قبل التوسع في استخدامه.
ودعونا نكررها: أن الكمبوست الهوائي هو الأفضل. فهو أسرع، ويُنتج سمادا أكثر أمانا، ويعقّم البذور والأمراض. أما اللاهوائي فـهو خيار الطوارئ؛ لا يُنتج إلا عند الضرورة القصوى وبشروط صارمة.
ختاما نقول: أنه في ظل انتشار طرق خاطئة لتحضير الكمبوست اللاهوائي، يصبح من واجبنا نشر الوعي وتقديم النموذج الصحيح لاستخدام هذه التقنية عند الحاجة، حمايةً للتربة والنبات، وحفاظا على صحة الإنسان.
وإذا كان لا بد من استخدامه، فليكن كمبوستا مسؤولا؛ لا عبثيا، وناتجا عن علم لا؛ عن عُرف، وعن ضبط؛ لا عن فوضى.
ودمتم سالمين!