النخب السياسية وفشل إدارة الكهرباء: الاستحقاق السياسي يبدأ بالخدمات

لم يعد خافيًا على أحد أن فشل النخب السياسية من في إدارة ملف الخدمات – وعلى رأسها الكهرباء – يمثل أزمة عميقة تهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي ليس فقط في المحافظات المحررة بل وعوضًا عن مناطق سيطرة الانقلابيين الحوثيين.

الخدمات الأساسية لم تعد مجرد رفاهية أو منّة تقدمها السلطات للشعوب بل صارت حقًا أصيلًا ومقياسًا عمليًا لنجاح أو فشل أي مشروع سياسي.

الكهرباء ليست مجرد إنارة أو تشغيل أجهزة بل هي العمود الفقري لكل شيء: الاقتصاد الصحة التعليم الأمن.

تعطل الكهرباء يعني شلل المصانع إغلاق المدارس والمستشفيات وزيادة معاناة الناس في تفاصيل حياتهم اليومية المتعبة والشاقة.

تُعد أزمة الكهرباء أبرز أوجه القصور الإداري التي تفضح هشاشة أداء النخب السياسية سواء في إطار الشرعية أو المجلس الانتقالي.

تتكرر الأزمات كل صيف مع اشتداد الحرارة وكل شتاء مع الحاجة للتدفئة فيما تتبخر الوعود والشعارات التي أطلقتها الحملات الانتخابية والزيارات الرسمية دون حلول جذرية مما يوسع الفجوة بين الشعوب وحكامها ويُضعف الثقة بالعملية السياسية برمتها.

إن الفشل المزمن في إدارة ملف الكهرباء – سواء بسبب الفساد أو سوء التخطيط أو غياب الإرادة السياسية – يعكس أزمة أعمق: أزمة فهم حقيقي لمفهوم الاستحقاق السياسي.

الاستحقاق السياسي لا يتحقق بالشعارات الرنانة ولا بالمناكفات الإعلامية.

الوفاء بمتطلبات الناس الأساسية هو البوابة الأولى للحكم الرشيد وهو الامتحان الحقيقي لشرعية أي سلطة سياسية.

أي مشروع إصلاحي سياسيًا كان أو اقتصاديًا أو اجتماعيًا يجب أن ينطلق أولًا من توفير الخدمات الأساسية بشكل منتظم وعادل.

تحسين الكهرباء لا يحتاج فقط إلى مشاريع عملاقة أو قروض دولية بل يتطلب إرادة سياسية صادقة وتخطيطًا استراتيجيًا مدروسًا بعيدًا عن المصالح الضيقة ومكافحة الفساد في قطاع الطاقة إلى جانب شراكة حقيقية مع القطاع الخاص والمجتمع المدني.

النجاح في إدارة ملف الكهرباء يمكن أن يشكل نموذجًا لإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة وهو الخطوة الأولى نحو إصلاح أشمل وأعمق.

إن فشل إدارة الكهرباء ليس فشلًا تقنيًا بحتًا بل هو فشل سياسي بامتياز.

هو فشل لبرنامج الحكومة وشركائها السياسيين الحاليين ولا يُعفى طرفٌ من المسؤولية.

وعلى النخب السياسية أن تعي أن الاستحقاق السياسي يبدأ من الكهرباء، والماء والصحة والتعليم لا من صالات المؤتمرات ولا من الشعارات الفارغة من المضمون.

عندما تبدأ السياسة بخدمة الناس لا بالتسلط عليهم وعندما يعيش الحكام بين أوساط المواطن ليتلمسوا معاناته وأحلامه عندها فقط يمكننا الحديث عن مستقبل أفضل واقعياً وعملياً لا نظرياً ولا عبر منصات الإعلام.