إيحاءات قلم في ظلال قصيدة وموسم ..
كثيرة هي القصائد في شعرنا اليمني التي تربط اليمني بأرضه وتُرَسَّخُ بها هويته ويُجَسَّد بها انتماؤه بل وتُعَبر عن لُحمةِِ بينه وبين أرضه ليس كثنائية فحسب !
بل كواحدية مصير تكفَّل بها التاريخ واحتواها في خزانته كقارورة عطر قادمة من السماء لا يمكن فصل محتواها عن جرْمها .
وتمثل القصائد المتعلقة بمواسم الزراعة أبرز ملامح ذلك الارتباط وأروع صوره وبشكل متدرج يبدأ من المطر وشنشته وما يمثله من رمزية تتمثل في حفاوة استقباله من الأرض والانسان مرورا بتفاعل الأرض مع ذلك واستجابتها بناء عليه ومن ثم انطلاق اليمني للحرث فالبذر لتأتي النتيجة نبتا يخرج بإذن ربه طيبا مباركا ليأتي الخريف بما يحمله من همائل المطر ورَشَحَان الطل وحبات الرذاذ وأطياف الضباب وبما يفوح به سهيله من أنسام وتبشر به روابعه من أكمام وسنابل ترقص لمقدمها الطيور والحمائم .
ثم تختم النهاية بمسك الختام المتمثل بمهرجان الحصاد وما أدراك ما الحصاد ! والذي معه تنتعش أرصدة اليمني ماديا ومعنويا ويرتفع منسوب كرامته واعتزازه بذاته وتُضاعف كنوزه وترتقي بنوكه وترتفع أسهمه في البورصات العالمية .
وخلال تلك المواسم يمارس اليمنيون حياتهم الاجتماعية بكل مفرداتها بدرجة انسجام فيزيقي وتناغم فيزيائي أشبه بالانصهار .
وهنا نشير إلى واحدة من قصائد شعرنا اليمني التي تناولت ماذكرناه آنفا وهي قصيدة (تليم الحب) للشاعر الدكتور سلطان الصريمي رحمه الله ذي البيئه التعزية اليمنية والتي انعكست على شعره وألقت بظلالها على خياله وقد تمثل ذلك بداية بعنوان القصيدة : (تليم الحب) وتبدو أهمية القصيدة في عنوانها كرمزية وإشارة لأهم موسم من مواسم الزراعة في اليمن والمسمى بتسميات عدة في مناطق اليمن ك (الدجن) و (البذر) و (الإيداع) و (الذَّرْيْ)
ذلك الموسم ومنزلته ومدى الحفاوة به لدى اليمنيين لهو أشبه بأعياد (النيروز) الموجودة لدى عديد من الأمم والتي تقصد بذلك فصل الربيع في بلدانها وأقاليمها وكما تشهده القارتين الأفريقية والآسيوية من أعياد بحلول الحصاد ومواسمه هناك إلا أن اليمنيين في هذا السياق أسبق وأكمل وأرقى .
ومما استدعي الإشارة والوقوف عنده نسبة الشاعر ل (الحب) في العنوان وإضافته إلى (تليم) بما يمثله ذلك من تلازمية بل و (وحدة حلول) بين الأرض والإنسان اليمني بكل اهتماماته وكافة شئونه .
فإذا كان عنوان القصيدة وحده بهذه الأهمية فإن النص قد مثل لوحة فنية وإلياذة يمنية وحمل الكثير والكثير من الصور والاستعارات والكنايات والرمزيات والإشارات وهو ما كان .
بعض من لوحات القصيدة :
تحاببنا وأهدينا الى الأرواح زهرات الكعوب
غرسناهن وقطفنا من الأفراح ذكرى لا تذوب
عصرناهن وأروينا ظما الأقداح ساعات الغروب
تشرحنا ودقينا مع الشراح أجراس القلوب
تهنيتك وغنيتك غنا
{أنا المحروم من خمر الوجن}
ثم أَتْبَعَ الشاعر ما ذُكِر بقوله :
ومن بعد التلاقي والهنا رمى بي الحب في بحر المحن .
إنه المبدع د. سلطان الصريمي وليس آخر السلاطين بالطبع ! يشهد لذلك قول المعري :
(إني) وإن كنتُ الأخيرَ زمانُه ...
لآتِِ بما لم تستطعه الأوائلُ .
وهنا تساءلت :
بما أن النبي العربي محمدا عليه الصلاة والسلام صح عنه القول : (إن من البيان لسحرا ، وإن من الشعر لحكمة) فلماذا العرب منكفئون عن دراسة الأدب اليمني وتناوله ؟ بل ولِمَ يستبعدونه عن خطوط (سيرهم) و (دوائر) إهتماماتهم ؟ رغم البيان الذي يزينه والشمول الذي يميزه ناهيك عن (صهره للأرض والإنسان في بوتقة واحدة) ؟ !
وأخيرا وليس آخرا لزم الإشارة والتنبيه إلى أن أهم غرض من
أغرض الأدب اليمني هو النظر لمفردات الكون والطبيعة على أنها جميعها عبارة عن أدوات (تجميل) ومستلزمات (جمال) متنوعة) في صالوان (الحياة الكبييير) ! .
بقي السؤال :
أكوووو عرب ؟ !