استقالة بغصة وقهر!
بقلم: عبدالقوي العديني
في ظل الفساد القائم، تعكس استقالة رئيس الوزراء بحكومة الشرعية الدكتور أحمد عوض بن مبارك، حالة من الإحباط العميق، وتجسد شعورًا عامًا بالفشل وفقدان الأمل في مواجهة جبروت الفساد.
"بن مبارك" ليس بريئا على كل حال؛ خصوصا وهو يباهي بأنه وفر من قيمة وقود الكهرباء فيما الحياة في ظلام دامس ؟!!، غير إنه على الأرجح استقال بعد شائعة الإقالة.
لكني هنا أتحدث عن ذات الحالة التي يشعر بها كثير من المواطنين، وهم يشاهدون ويسمعون ويتحملون تبعات إخفاق الحكومات وفسادها، وبغض النظر عمّا إذا كانت استقالة بن مبارك نابعة من قناعة ذاتية أو تمت تحت ضغط، فإن الحديث هنا لا يتعلق بشخصه، بل بما تمثله هذه الخطوة من مؤشرات ودلالات حول الحاجة الماسة للتغيير والإصلاح الشامل.
في نص استقالته، يسرد بن مبارك تفاصيل فساد لم تعد خافية على أحد، وكأنه يكتب بيانًا عن واقع منهار، وبيئة يتفشى فيها الفساد بلا رقيب أو وازع، فاستقالته، في جوهرها، تعبير عن عجز وقهر وتشي (بغصة) وإحساس مرير بالفشل أمام منظومة فساد تشبه كائنًا مفترسًا، أو أداة قتل حادة تنخر في جسد الدولة، وتزيد من معاناة المواطن عبر أزمات مفتعلة وتخبطات متعمدة.
قد تكون الاستقالة بمثابة اعتراف متأخر بالإخفاقات المتراكمة، وربما تحمل دعوة غير مباشرة لإعادة الوعي، وإشارة إلى ضرورة النظر بعمق إلى جذور الأزمة.
حتى هذه اللحظة مازال الدكتور سالم بن بريك يرفض ترشيحه لرئاسة الحكومة للمرة الثانية، بحسب مصادر، إلا باشتراطات من ضمنها دعم الأشقاء في المملكة العربية السعودية للموازنة العامة للدولة، وضبط تحصيل الإيرادات، بالإضافة إلى إصلاح السياسة النقدية بما يحد من استمرار تدهور العملة المحلية، غير أن هذا مخيب للآمال.
كنت أتوقع من الدكتور سالم بن بريك، وهو النزيه والحكيم والكفء، أن يكون من ضمن شروطه تشكيل حكومة جديدة، فتجريب المجرب خطأ والتصحيح بالملوثين خطأ مرتين.
ومع هذه الاستقالة أو الإقالة، والقبول والاشتراطات، والقبول المؤكد، تُفتح تساؤلات كثيرة حول القادم: هل تكون حكومة الدكتور سالم بن بريك بداية لتحول حقيقي وإصلاح ملموس، أم استمرارًا لنفس النهج؟ هل ستُمنح الفرصة لإحداث فرق؟ أم أننا سنعيد تدوير الفشل بأدواته القديمة؟.
اللافت أن اعتراف بن مبارك بالعجز عن مواجهة الفساد يمثل خطوة جريئة ونادرة، تعكس اعترافًا رسميًا من أعلى هرم السلطة التنفيذية بحجم الأزمة، وأن الوقت قد حان للتوقف عن الشعارات الفضفاضة، وخطط الطوارئ المستهلكة.
هذا الاعتراف يجب أن يُشكّل ضغطًا يضع الجميع أمام مسؤولياتهم، إذ لا معنى لبقاء منظومة المحاصصة، ولا مبرر للإبقاء على وزراء أثبتت الوقائع ضلوعهم في الفساد وسوء الإدارة.
كما أن استقالة بن مبارك تحمل رسالة تحذيرية لرئيس الوزراء الجديد، الدكتور سالم بن بريك، من مغبة الوثوق في فريق فاشل أسهم في الانهيار، أو إعادة تدوير عناصر لم تجلب سوى الخراب.
التغيير الحقيقي لا يمكن أن يتم بالأدوات ذاتها، والإصلاح لا يُبنى على حكومة أثبتت فشلها. لذا، من الحكمة أن يفتح بن بريك المجال لتشكيل حكومة جديدة، ويتبنى استراتيجية مختلفة تقطع مع الماضي، وتبدأ من حيث يجب.
نحن أمام لحظة فارقة، قد تشكل مدخلًا لإعادة بناء الثقة، وقد تمهد لتغييرات واسعة على مختلف المستويات.
وفي ظل هذا المشهد، يترقب الناس سقوط أحد كبار الفاسدين، الذي كان بارعًا في جمع التذاكر وبدل السفر من أكثر من جهة للمهمة الواحدة، قبل أن يصبح لصًا بدرجة وزير على رأس أهم وزارة حيوية، لينفذ أخطر صفقات الفساد، ولم يكتفِ بالعمولات والثروة الباهظة التي أكتسبها من الحرام، بل يقوم بامتصاص مخصصات وزارته التشغيلية له والفتات منها لجماعته.
لقد تحول هذا "اللص الكبير" إلى رمز للانتهازية، حتى باتت نهايته وشيكة، فالأيادي اقتربت من فتح ملفات فساده، لنفض غبارها المتراكم.