التقسيم الممنهج... من القضية الكبرى إلى التجزئة القاتلة

منذ عقود، كانت القضية الفلسطينية تُطرح بوضوح في الخطاب الإعلامي كصراع فلسطيني-إسرائيلي، لكن مع الوقت، تحولت التسمية تدريجياً: القدس مقابل إسرائيل، ثم غزة مقابل إسرائيل، والآن تُختزل في الحرب بين إسرائيل وحماس.  

هذا النمط ليس مجرد تغير في الصياغة، بل انعكاس لسياسة عالمية تهدف إلى تفكيك القضايا الكبرى عبر تخصيص المسميات، وتحويل الصراعات الوطنية إلى نزاعات ضيقة يسهل التحكم بها وإخمادها.  

في اليمن، تتكرر هذه السياسة بشكل ممنهج؛ لم يقتصر الأمر على القضية الجنوبية فحسب، بل امتد إلى الجمهورية العربية اليمنية نفسها. بدأت عملية التفتيت من الأزمة بين الجنوب العربي واليمن الشمالي، إلى تفريخات متعددة في حضرموت وغيرها، وصولاً إلى تقسيم القضية الجنوبية إلى نطاقات ضيقة، مثل الحديث عن "ثورة نساء عدن" و"ثورة نساء أبين"، في محاولة لتقزيم قضية شعب الجنوب وإفراغها من مضمونها الوطني.  

وفي المقابل، تعرض اليمن الشمالي لنفس النهج، حيث تم تقسيمه إلى كيانات فرعية، مثل مظلومية أبناء تهامة، دولة مأرب العرادية، الجمهورية اليمنية الشيعية في صنعاء، وغيرها من التقسيمات التي تهدف إلى تفتيت الخارطة السياسية والاجتماعية وإضعاف مركزية القضايا العادلة في المنطقة.  

لكن الأخطر من ذلك هو الانجرار وراء مخطط "تقسيم المقسم" تحت ذرائع حقوق الأقليات، حيث يُستخدم هذا النهج لخلق نزاعات داخل النزاعات، ما يجعل القضية الأصلية تختفي في زحام المطالب الفرعية. هذه الاستراتيجية تُستغل بشكل همجي لمصالح القوى الكبرى، كما نرى حالياً في السودان، حيث يتم تعميق الفجوة بين المكونات الداخلية، وبين الهند وباكستان، حيث تُستغل التوترات العرقية والطائفية لتعزيز الانقسام بدلاً من خلق حلول عادلة.  

وسط هذه التجاذبات، تظل قضية الجنوب العربي قضية وطنية أصيلة، وحق شعب الجنوب في استعادة دولته المستقلة وسيادته الكاملة لا يقل شرعية عن وجود دولة اليمن الشمالي ككيان مستقل قبل الوحدة. فالوحدة لم تكن خياراً متكافئاً، بل مشروعاً قسرياً فرضه سياق سياسي لا يخدم مصالح الجنوب ولم يحقق العدالة المنشودة، مما يجعل استعادة الدولة الجنوبية أمراً مشروعاً يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح.  

الوعي والمطالبة بالحقوق التاريخية هما السلاح في مواجهة هذا التفكيك... القضية الجنوبية ليست قابلة للتجزئة، والسيادة حق لا يقبل التفاوض!