فاسقو الإسلام المكي ( 2 ) 

بقلم: عبدالله محمد الجفري 

هل وجد في الإسلام المكي فاسقون ؟ تحدثنا سابقاً عن المنافقين في إسلام مسلمي مكة , وأثبتنا وجودهم بنص القرآن , وتحدثنا عن الأهداف من كتاباتنا عن ذلك  واليوم سنتحدث عن الفاسقين كما وصفهم الله تعالى . والفاسق ليس من يعمل المعصية الواحدة أو الاثنتين كما قال العلامة عبدالرحمن المعلمي , لكن إن وصف الله تعالى أحداً : فرداً أو جماعة بأنهم فاسقون , فهذا يعني أنه قد أحاط بهم الفسق حتى وصفوا به , وتسموا به . وقد وجد في مسلمي مكة فاسقون . وكون حكمنا نحن على مرتكب الفسق لمرة أو مرتين لا يسمى فاسق يجب أن يكون موضع درس وبحث لأن الله تعالى أخرج آدم من الجنة بمعصية واحدة , نهاه عن الأكل من الشجرة فأكل منها ... وتلك معصيته واحدة . ونحن نعمل المعاصي ولا نخشى غضب الله ولا عقابه منها . نهانا عن الرشوة ولم ننته نأكل منها دائما ونكرر الاكل منها  . ونأكل مما نغله من مال الدولة - مال بيت المسلمين  ... ونكرر الأكل من الغلول .وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل الصحابي  الذي غل شملة انه يشتمل عليها في النار . 
لكن إن وصف الله  شخصا  بالفاسق فهو فاسق وإن لم نعرف له سوى معصية واحدة .. وهؤلاء جماعة من مسلمي مكة فسقوا عن أمر الله تعالى فوصفهم بالفاسقين ومعصيتهم يراها البعض  معصية واحدة ومع ذلك وصفهم الله بالفاسقين الأمر الذي يعني أنها  أحاطت بهم واستحقوا تسميتهم منه بالفاسقين قال تعالى :{{ والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون }}ب النور : 67] فكل من يرمي مؤمنة غافلة فهو فاسق وهو من الكبائر  ومثلها الاية التالية وهي موضوع هذا المنشور وهو خطاب من الله لمسلمي مكة  قال تعالى :{{ قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبّ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربّصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين }}[ التوبة 24 ] وهذه السورة مدنية بالاتفاق . وهي من أواخر ما نزل من القرآن  وقد ذكر الله فيها مؤمني مكة الذين عصوا الله في أمره لهم بالهجرة , وبقوا في أموالهم وعشائرهم يقول الإمام الشعراوي :" إنّ لهذه الآية أسباب نزول وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالهجرة من مكة إلى المدينة فأمر المسلمين بالهجرة فتركوا أموالهم التي اكتسبوها في مكّة وتجارتهم ومساكنهم , وآباءهم , وأبناءكم وإخوانهم وأزواجهم وعشائرهم التي تستطيع حمايتهم  . تركوا كل ذلك وهاجروا إلى أرض جديدة . لكن من المسلمين من ركن إلى الدنيا , فبقوا بجوار أموالهم وأزواجهم , وأبنائهم المشركين . وكانت الواحدة من النساء المشركات تتعلق بقدم زوجها المسلم , الذي يريد الهجرة حتى لا يتركها , فكان قلبه يرقّ لها , ومنهم من يخشى ضياع ماله , وكساد تجارته التي بينه وبين المشركين , فنزلت هذه الآية " ويقول الشعراوي :" أن الحقّ سبحانه وتعالى أراد أن يوضح لنا قيمة الانتماء ويدرب المؤمنين عليه , فقد كان المسلم لا يتم إيمانه حتى يهاجر ويصارم أهله  وأقاربه ويقاطعهم , فشقّ ذلك عليهم وقالوا : " يا رسول الله . إن نحن اعتزلنا من خالفنا في ديننا قطعنا آباءنا وأبناءنا وأزواجنا وأقاربنا , وخفنا على أموالنا , وتجارتنا من الفساد , وخفنا على مساكننا من أن تخرب , وبذلك نضيع , فأنزل الله تعالى الرد من عنده وكانت هذه الآية . وكان كسب الإيمان أعلى من أي كسب آخر . ويقول ابن قرناس وهو يتحدث عن سورة العنكبوت التي فيها أمر بالهجرة  قال : ... وتحث السورة المسلمين على ترك مكة والهجرة ,:{{ يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون }}[ العنكبوت : 56]  وتقول لهم : إن كانوا يمتنعون عن الهجرة لئلا يخسروا أموالهم وأزواجهم في مكة , فسيرزقهم في المهجر كما يرزق الدواب التي تنتقل من مكان  لآخر دون  أن تحمل أكلها على ظهورها , لأنها ستجد ما تأكله أيما حلت  :{{ وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم }}[ العنكبوت :60] . ما الذي يعنيه إن تنزل سورة مدنية نزلت بعد فتح مكة تتكلم عن فاسقين عصوا الله وأحبوا غيره وغير رسوله صلى الله عليه وسلم وغير الجهاد في سبيله ؟ إنها تعني أن الفسق قد لصق بهم , ولن تنفعهم هجرتهم بعد الفتح وتمكن الدولة الإسلامية وتحقيق عزها , لأنهم لم يثقوا بالله تعالى واعتصموا بهواهم وظنوا في الله ظنون السوء فخافوا على أنفسهم وأموالهم وتجارتهم , فتركهم الله وما أحبوه من الفسوق والعصيان . فالهجرة انتهت بفتح مكة , الهجرة المفروضة في عصرهم , لذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا هجرة بعد الفتح " متفق عليه .وقيل أن الفتح ليس فتح مكة بل هو فتح الحديبية في السنة السادسة من الهجرة وفيها نزلت سورة الفتح قال تعالى :{{ إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً }} وبغض النظر عن المقصود بالفتح سواء فتح مكة أو الحديبية فإن الهجرة قد انتهت به , ولا تقبل ممن أسلم ولم يهاجر واستحق بفعله هو اسم الفاسق . وبنص كتاب الله إن من الفسوق ما هو نفاق ومنه ما هو كفر والعياذ بالله , قال تعالى :{{ إنَّ المنافقين هم الفاسقون }}  وفي المنشور الثالث والأخير سنتناول المرتدين الذي كفروا وطبع الله على قلوبهم من مسلمي مكة الذين فتنوا وسقطوا في الفتنة وكفروا بعد إيمانهم . وبالنسبة لتسمية الفاسق بالمعصية أو المعاصي الكثيرة نتركه للقارئ  وللبحث العميق في كناب الله تعالى والهبات الصفائية  للعلماء الربانيين ليرونا الحق فيه .