إن مايعانونه ليس مجرد حرمان مادي.

بقلم: موسى المليكي.

ليس هنالك أشد من المعاناة التي يكابدها أولئك الذين ابتلوا بعزة النفس وسمو الكرامة، إذ لا ينتمون إلى فئة "ذوي الحاجة" بمعناها المادي الظاهر، بل إلى طبقة نفسية وأخلاقية عالية تعيش أوجاعها في صمت نبيل ،فهؤلاء لا يبوحون بالخواء ولا يتوسلون المعونة، لا عجزا، بل لأن منطقهم الداخلي يأبى الانكسار أمام أعين الآخرين، مهما اشتد بهم الوجع..

وفي ظل تحولات القيم الاجتماعية المعاصرة، والتي تميل إلى تمجيد التظاهر والتسويق العاطفي للمآسي، يصبح أصحاب النفوس الكبيرة هدفا لعملية "سحق رمزي"، حيث يجري تأويل عزة النفس إلى كبر، ويترجم الترفع عن الشكوى على أنه استعلاء ،وبهذا تحرم هذه النخبة من التعاطف، لا لغياب الألم، بل لأن مظهرهم لا يتوافق مع الصورة النمطية للضعف المستجدي للعون.

إن ما يعانونه ليس مجرد حرمان مادي، بل افتقار إلى بيئة تستوعب لغتهم الوجدانية الرفيعة، وتفهم أن الكرامة في عالم يربط القيمة بالاستعراض، قد تصبح عبئا لا ميزة.