الإيمان ميثاق بين العبد وربِّه ( 5 ) 

بقلم: عبدالله محمد الجفري
انتهى المنشور السابق بقوله تعالى :{{ أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمنَّ الذين صدقوا وليعلمنَّ الكاذبين }}[ العنكبوت : 6 - 7 ] . وهذا نصٌّ صريح أن الابتلاء والامتحان سنة من سنن الله تعالى تتكرر مع كلِّ جيل وفي كلِّ عصر , وهي سنة يمتحن الله بها المؤمنين , ويمحص إيمانهم , فالله لا يريد إلا عبداً صادقاً  مؤقناً مختاراً صابراً على منهج الله تعالى قائما به , عاملا وداعياً إليه لا عبداً مرائيا كذابا يعبد الله على حرف قال تعالى {{ ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير أطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة }}[ الحجِّ : 11] 
ولقد فتن الله الصحابة ومحَّص إيمانهم , ففي كل ابتلاء يتعرضون له كان البعض يسقط والبعض الآخر يرضى ويصبر ويزيده إيماناً وتوكلا على الله  قال تعالى :{{ وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون }}[ المائدة : 71] والفتنة دائمة أبد الدهر وتتكر مع كل عام يقول تعالى {{ أولا يرون أنهم يفتنون في كلِّ عامٍ مرَّة أو مرَّتين ثم لا يتوبون ولا هم يتذكرون }}[ التوبة : 126] ولهذا كان الله يحذر الصحابة من الوقوع في الفتنة والفشل والسقوط فيها قال تعالى :{{ واتقوا فتنة لا تصيبنَّ الذين ظب\لموا نكم خاصة }}[ قال ابن عباس : أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر بين أظهرهم , فيعمهم الله بالعذاب " قال ابن كثير : هذا تفسير حسن جداً . ولقد ابتلى الله الأنبياء  وصحابتهم حتى زلزلوا يقول تعالى :{{ وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين معه متى نصر الله ...}} . فإذا كان الابتلاء سنة إلهية لكل المؤمنين في كلِّ عصر . فما هي الابتلاءات والفتن التي نتعرَّض لها نحن اليوم ؟ إنها تكمن في كل ما افترضه الله عليك في إيمانك به والعهد  والميثاق الذي بينك وبينه , فما دمت مؤمنا فاعلم أن الله سيبتليك ليمحص إيمانك ويتحقق من صدقك أو كذبك . بعض الناس ترى عليه مظاهر النسك والعبادة  فإذا ابتلى بالنساء أو المال أو الجاه أو الكبر ترك ما عاهد عليه الله ولهث خلف ما ذكرنا كأنه لم يؤمن أبداً . ففي غزوة تبوك وهي الغزوة الفاضحة كما يسمونها جاء بعض الصحابة يستأذن رسول الله صلى الله عليه في القعود عن الحرب خشية الفتنة كما زعم ولم يعلم أن الغزوة نفسها هي من الفتن التي يتمحص بها إيمان المؤمنين لهذا قال الله أنه في الفتنة سقط قال تعالى {{ ومنهم من يقولون ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا }}[ التوبة : 49] فنجد الواحد منا إذا ألتزم دينياً في مذهب أو جماعة  يدخل في عداء مع الجماعات الأخرى , ويكرهها , ويتآمر عليها ولو يستطيع إبادتها من على وجه الأرض لفعل . لا حرية للناس عنده , ولا حق لهم في الاختيار مثله , هو على الحق وغيره على الباطل , هل هذا دين الله تعالى .؟ وربما يكونون على الدين الحق هم  لا  هو . فأين الاعتصام بحبل الله الذي أمرنا الله به ؟ وأين الحرص على وحدة المسلمين الذي أمر به الله وحث عليه  ؟ وجعله في شرائع الأنبياء جميعاً . قال تعالى :{{ شرع لمن من الدين ما أوصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه }}[ الشورى : 13] وأين التعاون على البرِّ والتقوى الذي أمر به الله تعالى وأين الأخوة والمحبة بين المؤمنين الذي لا إيمان لنا إن لم نحب بعضنا بعضاً كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" والله لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا ." ايُّها الناس : إنَّ بعضنا لبعض فتنة . كما قال تعالى {{ وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون }} كيف ؟ نجد بعض المسلمين يكفر كل الفرق الأخرى , أو يتهمها بالبدعة , واتباع الهوى , فيقطع كل حبال التواصل والاعتصام وعدم التفرق التي أمر بها , لأن الشيطان يلبس عليه بأنه على الحق وهم على الضلالة والكفر والبدعة . فمثل هذا النوع على خطرٍ عظيم , لأنه يعصون الله ما أمر فإن فعلوا قست قلوبهم , فإن لم يطهروها طبع الله على قلوبهم لأن ما فيها من إيمان غير نافع لهم قال تعالى :{{ ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحقّ ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون }}[ سورة الحديد ] . إنَّ ديننا دين المحبة , دين إنقاذ الناس من النار . وهذا معيار للتفرقة بين من يعمل للرحمن ومن يعمل للشيطان . وسنتحدث عن هذا المعيار في المنشور القادم . ونختم بقوله تعالى {{ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما  يعلم الله الذين جاهدوا ويعلم الصابرين }}[