اختطاف الوعي... ومحنة الوطن..

نحن أبناء هذا الوطن، وُلدنا فيه، وعشنا تفاصيله الكبيرة والصغيرة. كبرنا بين أزقّته ومدنه، وتشكّلت ذاكرتنا الجمعية في ظل لحظاته المرّة، التي كانت كثيرة، والقليلة من لحظاته الحلوة، التي تُعدّ على الأصابع. ومع ذلك، بقينا أوفياء له، نحلم له لا عليه.

لكن الحقيقة المُرّة التي لا يمكن تجاهلها، هي أن هذا الوطن لم يعرف طعماً حقيقياً للاستقرار؛ فمنذ الاستقلال، إلى الوحدة، إلى ما بعدها، ظل الوطن يدور في دوامة من الصراعات والانتكاسات. لقد خُطفت مسيرته في وضح النهار، لا من عدوّ خارجي فقط، بل من أيدٍ خبيثة في الداخل أيضًا.

تلك الأيدي لا تكتفي بتمزيق الواقع، بل تسعى لتزييف الوعي ذاته. إنها لا تفرض فقط قراراتها، بل تحاول أن تغرس في الأذهان أفكارًا ومبادئ مشوّهة، وأهدافًا حالمة لا تنتمي إلى الأرض ولا تعبّر عن احتياجات الناس الحقيقية. إنهم يعملون على تكعيف المواطن – أي دفعه لتبنّي تصوّرات منحرفة وغير واقعية – لتصبح هذه التصورات هي المعيار، بينما يتم تهميش كل ما هو عقلاني وواقعي.

في مثل هذا المناخ، لا تعود المشكلة في غياب الحلول، بل في تغييب العقول. يصبح المواطن مشوشًا، عاجزًا عن التمييز بين الحقيقة والزيف، بين المصلحة العامة ومشاريع الفوضى المقنّعة بشعارات براقة.

ما نحتاجه اليوم هو استعادة الوعي، لا فقط في وجه السلاح، بل في وجه الفكرة المغلوطة أيضًا. فالدفاع عن الوطن لا يكون فقط على الجبهات، بل في المدارس والبيوت والكتب والحوارات. الدفاع الحقيقي يبدأ من العقل، ومن الحق في أن نفكر بحرية ومسؤولية.

لقد تعب هذا الوطن من التشظي، وما زال ينتظر أبناءه الصادقين ليعيدوا إليه صوته الحقيقي، لا ذلك الصوت المُعلّب في غرف مظلمة، ولا ذلك الذي يُسوّق له على حساب كرامة الإنسان وحقّه في الحياة.