تعز.. مدينة الثقافة والفن تختنق في ظل الحرب والإهمال

منذ أكثر من عقد من الزمن، أشعلت الميليشيات الحوثية حرباً كارثية، كانت تعز إحدى أبرز ضحاياها. هذه المدينة التي لطالما عُرفت بـعاصمة الثقافة اليمنية، واحتضنت رموز الفكر والأدب والفن، تحولت بفعل الحرب والنزوح إلى مدينة مختلفة، مشوهة المعالم والطابع.

فقد أدت الحرب إلى نزوح عدد كبير من سكان مدينة تعز الأصليين، أولئك الذين جعلوا من المدينة مركزاً للعلم والتجارة والسياحة، ليحل مكانهم وافدون من مختلف مديريات المحافظة، عُرف العديد منهم بسلوكيات غير منضبطة وخارجة عن الأعراف، مما انعكس سلباً على ملامح المدينة وسلوكها العام وأدى إلى تدهور الأوضاع الأمنية والاجتماعية، وشيوع حالة من الفوضى والانفلات، رافقها عمليات سلب ونهب طالت الممتلكات العامة والخاصة، وتعطلت على إثرها الخدمات الأساسية والمصالح العامة.

ومع انحسار العمليات العسكرية وتراجع حدة المواجهات، علت الأصوات المطالبة بضرورة تطبيع الحياة واستعادة الأمن والاستقرار، وتوفير الخدمات الأساسية، إلا أن الآمال اصطدمت بواقع قيادة ضعيفة. فالقيادات العسكرية والأمنية والإدارية في المحافظة لم تكن عند مستوى المسؤولية، بل ركّزت على تحقيق مصالحها الشخصية، متجاهلةً معاناة المواطنين والمصلحة العامة للمحافظة.

وفي مثال صارخ على ذلك، أُهدرت فرصة إعادة تشغيل محطة كهرباء عصيفرة، فقط لأن تشغيلها سيؤثر على مكاسب بعض المنتفعين من تجارة الكهرباء الخاصة. كما تم إيقاف مشروع مياه الشيخ زايد بن سلطان، الذي تنفذه الخلية الإنسانية للمقاومة الوطنية بتكلفة تقارب عشرة ملايين دولار، وكان من شأنه أن يوفر مياهاً نقية لأهالي المدينة، لكن المشروع توقف بسبب تراخي السلطة المحلية وتواطؤ أطراف حزبية.

إن ما تعانيه مدينة تعز اليوم ليس فقط من تبعات الحرب، بل من إصرار بعض القيادات على إبقاء المدينة خارج مظلة القانون، في وضع دائم من اللاحرب واللاسلم، بلا أمن حقيقي، ولا استقرار فعلي، لأن في الفوضى تستمر مصالحهم وتتعطل مصالح الناس وتتضاعف معاناتهم من غياب الخدمات وانهيار النظام.

فهل تستعيد مدينة تعز وجهها المشرق ومكانتها الحضارية، وتنهض من تحت الركام من جديد؟ أم أن قوى الفساد ستظل العائق الأكبر أمام تطلعات سكانها نحو حياة كريمة وآمنة؟