لحظة تاريخية في سيرة الجنوب العسكري: اختيار دفعة راجح لودر نموذجاً للتمثيل الوطني

في صيف عام 1983 وقف طابورٌ من شباب الجنوب بزيّهم العسكري الأول في مركز تدريب العند تحت أنظار قياداتٍ حملت رؤيةً استثنائية لبناء جيشٍ والامن  يعكس نسيج الوطن بين هؤلاء الشباب كان خريجو ثانوية راجح سيف يحيى لودر – المدرسة الوحيدة في مديرية لودر آنذاك – ينتظرون لحظةً ستغير مصيرهم، وتُسجّل لاحقاً كعلامةٍ فارقة في سياسة الدمج العسكري بالجنوب.  

الزيارة التي غيّرت المصائر  
لم تكن زيارة العقيد الركن صالح مصلح قاسم (وزير الدفاع ) والرفيق جار الله عمر (عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي) إلى قاعدة العند مجرد جولة روتينية لقد جاءت كمبادرةٍ لاختيار أفضل العناصر من خريجي الثانوية العامة في عموم محافظات الجنوب لتكريس مبدأ "التمثيل العادل" في المؤسسة العسكرية.  

في ذلك اليوم مرّ العقيد صالح مصلح قاسم وزير الدفاع  أمام الصفوف الطويلة يحدق بعين الخبير في وجوه الشباب قبل أن يتوقف عند مجموعةٍ من طلاب ثانوية راجح لودر. كان اللواء أحمد عباد (برتبة رائد آنذاك ويمثل حينها العمليات العسكرية) إلى جانبه يسجّل الأسماء التي أشار إليها الوزير بنظرة ثقة محمد عبدالله الحداد، قاسم أحمد القطيش (الذي أصبح لاحقاً عقيد ركن)، الشيخ عارف محمد درعان، وزملاء آخرون.  

أنت تصلح ضابطاً".. كلمة صنعت مساراً  
بين تلك الوجوه كان كاتب هذه السطور واحداً ممن سمعوا تلك الجملة حتى ولم  يستمر حينها بالكلية العسكرية  من فم العقيد صالح مصلح قاسم كانت أكثر من مجرد إشادة بل اعترافٌ بقدرات شباب المناطق النائية وإعلانٌ عن سياسةٍ واعية لاستقطاب الكفاءات دون تمييز الدفعة الـ12 للكلية العسكرية ضمّت هؤلاء الشباب ليكونوا جزءاً من استراتيجية أوسع لتعزيز الانتماء الوطني عبر المؤسسة العسكرية.  

سياق التاريخ والجغرافيا  
ثانوية راجح لودر  الوحيدة في مديرية شملت لودر والوضيع ومكيراس (المديرية الشمالية سابقاً)  لم تكن مجرد مبنى تعليمي بل رمزاً للتواجد التنموي في عمق الجغرافيا الجنوبية اختيار طلابها للكلية العسكرية كان رسالةً مفادها أن الدولة تبحث عن الموهوبين حيثما كانوا وأن القيادات العسكرية آنذاك أدركت أن "الأمن القومي" يبدأ بدمج كل مكونات المجتمع في مؤسساته السيادية  
ولعل ماتبقى من هذه الذكرى حية التاريخ الشفوي كوثيقة وطنية شهادات مثل هذه تكشف كيف تُبنى الدول بالسياسات التضمينية وكيف تتحول القرارات الفردية الواعية إلى إرثٍ جماعي.  
القيادة الرمزية دور العقيد صالح مصلح قاسم  وزير الدفاع واللواء أحمد عباد وغيرهم من القادة العسكريين  يُذكرنا بأن العسكري الحقيقي هو من يرى في الشباب ثروةً وطنية لا مجرد أرقام في سجل التجنيد.  
الجنوب وتجربته الفريدة هذه الواقعة تقدم نموذجاً ناجحاً يمكن البناء عليه اليوم في أي مشروعٍ لإعادة إدماج المناطق المهمشة. 
 
 الذاكرة جسرٌ للمستقبل  
اليوم، بعد أربعة عقود لا تزال تلك اللحظة تُذكر كأنها حدثت بالأمس ليست مجرد حكاية شخصية بل فصلٌ من فصول التاريخ العسكري الجنوبي الذي يحتاج إلى توثيق ربما يأتي يومٌ يُفتح فيه الأرشيف العسكري ليكشف كيف ساهمت قراراتٌ مثل هذه في تشكيل هوية جيلٍ كامل.  

للذكرى وللتاريخ  
هذه الشهادة دعوةٌ مفتوحة للمؤرخين ومراكز الدراسات لتسليط الضوء على تجارب مماثلة، لأن في استحضارها إجابةً عن سؤال: كيف نصنع وطناً قوياً بانتماء أبنائه؟