البيض: مرارة التجربة وأمل الأستعادة
بقلم: د. مرسي أحمد عبدالله
حين نرى الرئيس علي سالم البيض اليوم، نرى في وجهه ملامح حقبة زمنية كاملة مثقلة بالأحلام العريضة والخيبات المريرة. وبرغم العتب التاريخي الذي أحمله أنا شخصياً، ويشاركني فيه الكثيرون، تجاه قراره المتسرع عام 1990، إلا أنني لا أستطيع تجاوز نبرة الأسف والندم التي تطل من حديثه؛ ذلك الشعور الإنساني العميق بأنه خذل هذا الشعب حين تولى أمره، ورغبته الصادقة في تصحيح ذلك الخطأ، مجسدة في كلمته التي لا تُنسى: "أنا معكم إلى أن نستعيد الدولة، ونسلم الراية للشباب".
ربما كانت هذه الـ 35 عاماً الماضية "مشيئة إلهية" ومختبراً وجودياً قاسياً، كان لا بد للشعبين أن يخوضاه لتنضج الهوية، وتنكشف الحقائق، ويُعاد تعريف المصير بعيداً عن الشعارات. لم تكن مجرد سنوات ضائعة في عمر الزمن، بل كانت الثمن الباهظ للمعرفة واليقين بأن الحقوق لا تموت طالما أن هناك أجيالاً تتعاقب على حمل لواء المطالبة بها.
إن الوفاء الحقيقي لهذا الإرث المؤلم لا يكون بالبكاء على الأطلال، بل بتحويله إلى خارطة طريق للنجاة:
* أبناء الجنوب: إن المرحلة اليوم تتطلب منكم وحدة صفٍ صلبة، مبنية على التعددية وقبول الآخر. علينا أن نستفيد من عثرات الماضي لبناء دولة مؤسسات قوية لا تعتمد على العاطفة وحدها، بل ترتكز على الواقعية السياسية ولغة الحوار البنّاء.
* الإخوة في الشمال: لقد أثبت التاريخ أن لغة القوة لا تصنع استقراراً ولا تبني وحدة. إن المخرج الوحيد لكم يكمن في التحرر من مراكز النفوذ التقليدية، والعمل الجاد على بناء دولة مدنية حديثة تحترم إرادة الشعوب، وتؤمن بأن المواطنة المتساوية هي الضامن الوحيد للبقاء.
في نهاية المطاف، فليكن التنافس القادم بيننا هو سباق نحو بناء الإنسان؛ سباق في مضمار التنمية والإعمار، وإرساء قيم العدل والمساواة، واحترام الكرامة البشرية. وسواء انتهى بنا المطاف في كيان واحد أو دولتين متجاورتين، سيبقى المقياس الوحيد للنجاح هو قدرتنا على جعل "العدل" بوصلتنا، و"الإنسان" غايتنا الأسمى، ليكون المستقبل مغايراً تماماً لكل ما تجرعناه من أوجاع.


