صعيد عرفة وصعيد غزة
بقلم: حسين السليماني الحنشي
صعيد عرفة، هي بقعة من الأرض لها علامات تحدد موقعها فمن كان ضمن تلك الحدود كان ضمن عرفة، ولها توقيت لا يزيد عن يوم وليلة فقط، ويصبر ويحتسب الاجر من كان بها، إذا أصابه مكروه، بعدها ينتهي هذا الحدث أو النسك، المحفوف بالخدمات الجبارة التي تقدم للحجيج، أما صعيد غزة، فقد يشبه صعيد عرفة، مثله مثل غزة من الكيلومترات من المساحة، لكن المكان والحال في غزة مختلف، فهو ليس آمن من كل النواحي الحياتية، على كافة المستويات، فأهل - غزة - يمارسون حياة يومية يعجز الكثير من البشر التعايش معها، حيث لاتجد لهم نصير، يدفع عنهم الصواريخ والقذائف التي تسقط بكل لحظة، على الرغم أن لهم أمة تربطهم بها رابطة الدين والعقيدة تزداد اليوم عن الميارين من البشر (مسلمين) ولا يفصل بينهم إلا ما كان من طاعة وتقرب يتقرب بها حكام المسلمين ـ لتل أبيب وواشنطن ـ تلك الأمة اليوم مشتركة مع حكامها فهم يقفون عاجزين جنبا إلى جنب، وهم يملكون القدرة على وقف الحرب التي يدار رحاها في غزة.
إن الحجيج في صعيد عرفة قد تجردوا من الملابس المخيّطة، وإخواننا في غزة تجردوا من الإخوة والنصرة من المحيط الى الخليج. إن ذلك المشهد للحجاج وهم يلبسون ثياب الإحرام ، يذكرنا بأحوال أهل غزة وهم يرحلون أفواجا بثياب بيضاء أن وجدت من الأكفان...
أننا نعيش هذه الأيام أفراح العيد، فهذا يخرج مع أبنائه، ومع أبناء الجيران يشترون الحلويات للعيد وملابس العيد، وفي غزة الأهالي لا يجدوا قطعة خبزة، ولو كانت متعفنة...
وها نحن نزّين الحدائق هذثالايام ابتهاجاً بالعيد وأستقبال زوار الحدائق بهذه المناسبة، وأهلنا بغزة يخرجون إلى المقابر يشيعون جثمان الشهداء...
أننا اليوم والى جانب شعوب العالم نتكلف بصناعة السعادة، وفي غزة يعيشونها بكل تفاصيلها حتى وإن كان ظاهرها الألم الشديد، حيث قلوبهم ترجوا ما عند الله...
إن الحجاج يسكنون الخيام، لكنها مكيفة، ولايخشون الطائرات المسيرة أو الصواريخ. ولا يخشون نقص التموين، فالماء البارد والعذب والمأكولات الشهية، متواجدة والأشربة المختلفة، متواجدة على مدار الساعة، والمساعدات من الصدقات للحجاج تتدفق عليهم من المظال الشمسية والنظارات الشمسية والأدوية لأبسط شي، والاتصالات والتقنية العالية فيها، والتي تمكّن الحجاج بالاطمئنان بالصوت والصورة لذويهم، بينما في غزة يلتحفون السماء وتغطيهم الشمس، ويتسابقون من أجل شربة ماء او حبة قمح، فلا خدمات بغزة والجميع لايسأل عنها... إن الحجاج قد ودّعوا الأولاد والأهل والأصدقاء ، أيام فقط، هي التي تفصلهم عنهم لإيام الحج.
إن إخوتنا في غزة يودّعون أولادهم كل يوم أشلاء ودماء، وذلك بكل لحظة.
لقد أصبحت أمتنا مع حكامها يخشون (الغرب) ويطيعونه بل أصبحت أمريكا أقرب إلى القلوب، ودويلة الإحتلال الصهيوني. إلى الطاعة والولاء والبراء...
لقد تركنا ديننا الذي يأمرنا بإغاثة الملهوف. فما بالك حينما يكون الملفوف مسلماً !!!
ما أشبه الليلة بالبارحة في أهلنا بغزة، حينما قذف إخوان يوسف، بيوسف في البئر، أننا نقف اليوم جميعاً كأخوان يوسف ونرمي بغزة وأهلها إلى الجحيم ، بل ونتخلى عنها...
فهل الفاروق منا؟ وهل صلاح الدين منا ؟ وهل خالداً منا ؟ وهل وهل؟ أننا أمة كغثاء السيل الثوم تطفوا مع الزبالة الخاوية من كل ما يستفاد منها، أنه تعبيراً صادقاً لمانعيشه من ذل وهوان شعوب وحكام، إننا مثل العملة النقدية الهابطة التي لاقيمة لها عملة رخيصة تتقاذفها يد الصبيان...
أننا "كغثاء السيل" الذي أفرزه الحكام وجعل من أمتنا قصعة من بين الأمم تتداعى (تتجمع) علينا الأكلة... فأصبحت أمتنا ذليلة حينما تركنا الجهاد فسقطت المهابة منا من بين الشعوب، وأخذنا الوهن...
فأصبحنا نطفوا على سطح الشعوب فينا من الأوساخ ما الله به عليم.
فلن يكون لنا قوة أو تأثير حقيقي، حتى نعود بصدق وإخلاص لديننا.!