إما أن نحمي الجنوب أو نمهد الطريق لخرابه!

كان الشارع مزدحمًا بالأصوات، النساء متجمعات عند مدخل العاصمة زنجبار ، الهتافات تعلو، واللافتات تُرفع بأيدٍ لم تعرف إلا الصبر والنضال. كنت وسطهم، أتنفس الهواء المختلط بالحماس والخوف والأمل، أشعر بقوة لا أستطيع تفسيرها، وكأن هذا اليوم ليس مجرد مظاهرة، بل لحظة مصيرية في تاريخ الجنوب.  

لم يكن وجودي هنا صدفة، بل نتيجة سنوات من الانتظار، من مشاهدة الجنوب ينهار، ثم يعود للنهوض بألم ولكن بإصرار. منذ الحرب، لم يعد شيء كما كان، الوطن لم يعد فقط تلك الأرض التي نسير عليها، بل أصبح معركة يومية، بين أن تكون أو أن تُمحى.  

كانت بجواري أم ناصر، امرأة في الخمسينات، حكاياتها أكثر من تجاعيد وجهها، نظرت إليّ وقالت بصوت يشوبه الحزن:  
"كل شيء تغير يا بنتي، ما عاد نعرف، هل بنستعيد بلادنا؟ هل بنتحرر؟"  

شعرت بكلماتها تثقل على قلبي، لكنها لم تكن جديدة عليّ، سمعتها كثيرًا، في كل مجلس، في كل لقاء، حتى في أعين الناس وهم ينظرون للمجهول. لكنني كنت أعرف شيئًا واحدًا، إذا لم نقف اليوم، فسيسقط كل شيء غدًا.  

وسط الزحام، سمعت فتاة تتحدث بحماس، لكنها كانت مترددة، كانت تقول:  
"المجلس الانتقالي مش هو الحل، الجنوب يحتاج شيء أكبر!" 

التفت إليها، عرفت أنها تتكلم من خيبة، من إحباط، من سنوات من الوعود والانتظار، لكنني أيضًا كنت أعرف أن الأمل ليس رفاهية، بل هو ضرورة.  

قلت لها بثقة لم أكن أدرك أنني أملكها:  
"إذا ما تمسكنا بالمجلس الانتقالي، كأننا نقول للحوثي تعال، دمر لنا الوطن، وعقيدتنا، وأرضنا، وحتى أخلاقنا!" 

توقفت، نظرت إليّ، كأنها تسمع هذا الكلام لأول مرة بطريقة مختلفة، بطريقة لا تأتي من السياسيين، بل من شخص عاش القضية، لمسها، خاف عليها، ودافع عنها.  

المظاهرة لم تكن مجرد احتجاج، كانت إثبات وجود، صرخة في وجه من يريد أن يُطفئ هذا الصوت، وكانت النساء هنا لأنهن أدركن أن الجنوب لا يُحرر فقط بالسلاح، بل بالصوت، بالإرادة، بالوعي.  

أم ناصر أمسكت بيدي وقالت بهدوء:  
"كلامك صحيح، الجنوب ما يحتاج أكثر من أن يكون أهل الجنوب يدًا واحدة، لأننا لو تفرقنا، بيكون الحوثي أقرب مما نتخيل."

وفي تلك اللحظة، أدركت أننا لا نهتف فقط، نحن نقاوم، نتحدى، ونكتب تاريخًا جديدًا لن يُمحى بسهولة.  

خرجت من منصة التظاهر، والشارع ظل مزدحمًا بالهتافات، لكنني كنت أعرف أن الأهم من المظاهرة هو ما سنفعله بعدها، كيف سنواصل، وكيف لن نتوقف حتى يُستعاد الجنوب، كاملًا، دون نقصان.  
هذه ليست مظاهرة، هذه بداية معركة الوعي، والوعي هو السلاح الذي لن يخذلنا أبدًا.