في حاضرة الظلام
لم يكن مبالغا إذا قال أحدهم : إن الحياة في الحاضرة أضحت شبه مستحيلة ؛ إذ رحل التعليم ، وأصبحت الصحة في خبر كان ، وهيمن على الحاضرة الجهل والفقر والأمراض ، الأمر الذي جعل المواطن في الحاضرة تتفرد به ثلاثة وحوش قاتلة ؛ أولها الظلام ، فهو وحش مرعب ، يجعلك تتخبط في ظلمات بعضها فوق بعض ، تعجز عن إبصار كفك ، الأمر الذي يجعلك عاجزا عن ممارسة القراءة والكتابة والاطلاع على كل جديد ، فضلا عن احتياجك لتكييف الهواء الساخن وتلطيف الجو ، فتصبح مقطوعا عن الماضي والحاضر والمستقبل .
أما الوحش الآخر ، فهو مياه الصرف الصحي ، إذ زحفت نحو المواطن ، فشكلت بحيرات كريهة المنظر والرائحة ، وصلت إلى عتبات المنازل ، ما جعل المواطن يحتاج إلى قارب للتنقل من منزله إلى السوق أو الشارع أو المسجد ، لكن حتى القارب لايستطيع الحركة في تلك البحيرات ، ذات المياه الآسنة، الملوثة ، كريهة الرائحة .
أما ثالثها ، وهو الأكثر فتكا بالإنسان ، إنه وحش الأوبئة ، الذي ينتشر في الحاضرة انتشار النار في الهشيم ، إذ أصبح هذا الوحش يقتل من قاطني الحاضرة ما لا يقل عن ٣٠ شخصا في اليوم الواحد ، في الوقت الذي لا نرى أحدا يهتم حتى في التفكير لاحتواء هذه الوحوش والتقليل من بطشها وتنكيلها بالمغلوب على أمرهم .
حقا إن الحياة في الحاضرة أضحت مستحيلة ، فما الذي بقي لقاطني الحاضرة ، إذ انعدمت أمامهم كل مقومات الحياة ؟