يوم عالمي لنيلسون مانديلا الذي قال "حريتنا منقوصة بدون حرية الفلسطينيين"

يوم عالمي لنيلسون مانديلا الذي قال "حريتنا منقوصة بدون حرية الفلسطينيين"

( أبين الآن) متابعات

في خريف عام 2009، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 18 يوليو/تموز يوما دوليا لنيلسون مانديلا، المناضل ضد نظام الفصل العنصري في بلاده، اعترافاً بإسهام رئيس جنوب أفريقيا الأسبق في "ثقافة السلام والحرية".

ويصادف اليوم ذاته ذكرى ميلاد "ماديبا"، كما كان نيلسون مانديلا يُنادى في بلده.

وكان قد حكم على مانديلا بالسجن مدى الحياة، وبعد 27 عاما في السجن، خرج ليصبح أول رئيس أسود للبلاد، وفاز بجائزة نوبل للسلام عام 1993.

مع نهاية عام 2015، قررت الجمعية العامة توسيع نطاق اليوم العالمي لمانديلا ليوظّف من أجل "تعزيز الظروف الإنسانية للسجون، وزيادة الوعي بشأن السجناء باعتبارهم جزءاً من المجتمع، وتقدير عمل موظفي السجون باعتباره خدمة اجتماعية ذات أهمية خاصة".

فما أبرز محطات حياة نيلسون مانديلا.

وُلد مانديلا عام 1918، وينتمي لعشيرة زوسا، في قرية مفيزو الصغيرة شرقي مدينة كيب تاون في جنوب أفريقيا، واعتاد أبناء بلده على مناداته بالاسم الذي تخاطبه به عشيرته وهو "ماديبا"، وحصل على اسمه الإنجليزي نيلسون من معلمه في المدرسة.

توفي والده، الذي كان مستشارا لعائلة الثيومبو الملكية، عندما كان نيلسون في التاسعة، وتولى رعايته بعد ذلك رئيس عشيرة الثيومبو.

درس مانديلا القانون بصورة متقطعة لمدة خمسين عاما منذ 1939.

أصبح عضوا في حزب المؤتمر الأفريقي عام 1943 كناشط في البداية، ثم مؤسسا لرابطة الشباب التابعة للحزب، ثم رئيسا للمؤتمر الوطني الأفريقي، وبعد سنوات السجن، استمر رئيسا له.

تزوج مانديلا أول مرّة من إيفيلين ماسي عام 1944، وأنجبا أربعة أبناء، لكنهما تطلّقا.

عام 1952 أجيز للعمل بالمحاماة، وافتتح أول مكتب له في جوهانسبرغ مع شريكه أوليفر تامبو. لم يكن تامبو شريكه في المحاماة فحسب؛ بل اشتركا أيضا في تأسيس حملة لمكافحة التمييز العنصري، وهو النظام الذي ابتكره الحزب الوطني للبيض، والذي قام باضطهاد غالبية السكّان السود.

في عام 1956 وُجهت إليه ولـ155 ناشطا تهمة الخيانة العظمى، ولكن التهم أسقطت عنه بعد أربع سنوات من المحاكمة.

تنامت المقاومة ضد التفرقة العنصرية، خاصة ضد قوانين الهويات الجديدة، التي حددت للسود الأماكن التي يسمح لهم فيها بالإقامة والعمل. وفي ظل حملة مناهضة التمييز العنصري، تزوج مانديلا عام 1958 للمرة الثانية من ويني ماديكيزيلا، التي قادت بعد ذلك حملة المطالبة بتحريره من السجن.

وبدأ مانديلا العمل السري في المؤتمر الأفريقي بعد حظره عام 1960، ثم تزايدت التوترات في البلاد مع تنامي الحملة المناهضة للتمييز العنصري، وتصاعدت بعد ذلك حوادث متفرقة بين عامي 1960 و1969 بعد أن قتلت الشرطة عددا من السود فيما أطلق عليه مجزرة شاربفيل.

السجن مدى الحياة.

شكل هذا الحادث نهاية للمقاومة السلمية؛ إذ بدأ مانديلا - الذي كان يشغل منصب نائب المؤتمر الأفريقي - حملة للتخريب الاقتصادي، فألقي القبض عليه بعد ذلك، ووجهت إليه اتهامات بمحاولة قلب نظام الحكم من خلال التخريب والتحريض على العنف.

ومن قاعة المحاكمة في محكمة ريفونيا، وقف مانديلا على المنصة يشرح معتقداته حول الديمقراطية والحرية والمساواة.

وقال مانديلا: "أعتز بالمفهوم المثالي للديمقراطية وحرية المجتمع؛ حيث يحيا جميع الأشخاص في تناغم وحقوق متساوية، إنها المثالية التي أحلم أن أحيا من أجلها وأطبقها، ولكن إذا ما دعت الحاجة لذلك فإنني مستعد للموت من أجلها أيضا".

وحكم عليه في شتاء عام 1964 بالسجن مدى الحياة.

وبين عامي 1968 و 1969 توفيت والدته، ومات ابنه الأكبر في حادث تصادم، ولم يسمح له بحضور الجنازتين، وبقي في سجن روبن آيلاند لثمانية عشر عاما قبل أن ينقل إلى سجن بولسمور عام 1982.

وخلال فترة بقاء مانديلا وباقي قادة المؤتمر الأفريقي في السجن أو المنفى، واصل الشباب السود في جنوب أفريقيا حملة مناهضة التمييز العنصري.

وخلال تلك الحملة التي شارك فيها أطفال المدارس، قتل المئات وجرح الآلاف، ولكن في عام 1980 أسس تامبو، وكان في المنفى، حملة لإطلاق سراح مانديلا.

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أصدرت عام 1962 قرارا بفرض مقاطعة تجارية ضد نظام جنوب أفريقيا بسبب نظام الفصل العنصري، ثم فُرض عليها حظر جزئي على تصدير الأسلحة عام 1977، كما استبعدت من الفعاليات والمنتديات الدولية وطُردت من بعض هيئات الأمم المتحدة، وعلقت عضويتها في الجمعية العامة سنة 1974.

وبدأت هذه الضغوط تؤتي ثمارها؛ ففي عام 1990 رفع رئيس البلاد، إف دابليو دي كلارك، الحظر عن المؤتمر الأفريقي، وأطلق سراح مانديلا، وبدأت محادثات بإنشاء نظام جديد يقوم على ديمقراطية تعدد الأعراق في جنوب أفريقيا.

الأحياء الفقيرة

انفصل مانديلا عن زوجته ويني عام 1992، وبعدها بعام واحد حصل كل من مانديلا والرئيس كلارك على جائزة نوبل للسلام.

وبعدها بخمسة أشهر، ولأول مرة في تاريخ جنوب أفريقيا، صوتت كل الأعراق لانتخاب مانديلا رئيسا، وكانت القضية الرئيسية التي تولى مانديلا علاجها هي توفير السكن للفقراء والنهوض بالأحياء الفقيرة، ومكافحة الفساد في معظم المدن.

كما عمل على بناء صورة دولية جديدة لجنوب أفريقيا، واستطاع إقناع الشركات المتعددة الجنسية بالبقاء والاستثمار في جنوب أفريقيا.

ومنذ انتهاء مدته الرئاسية عام 1999 أصبح مانديلا سفيرا من أرفع طراز لجنوب أفريقيا، أخذ يقود حملات ضد مرض الإيدز، كما ساعد بلاده على استضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2010.

ورغم تشخيص إصابته بسرطان البروستاتا عام 2001، إلا أنه اشترك في مفاوضات السلام في كثير من الدول منها الكونغو الديمقراطية، وبوروندي.

في عيد ميلاده الثمانين تزوج مانديلا من جراسا ماتشيل، أرملة رئيس موزمبيق، وعندما بلغ من العمر 85 عاما، قرر الابتعاد عن الحياة العامة ليقضي حياته مع أسرته وأصدقائه، ويحظى بالسكينة. وفي عيد ميلاده الـ89 انضم إلى مجموعة الحكماء، وهي مجموعة تضم شخصيات من قادة العالم، من أجل الاستفادة من خبراتهم وحكمتهم للتعامل مع مشكلات العالم.

وظهر انخراطه في الأعمال الخيرية خلال السنوات التي تلت عام 2005 بعد وفاة ولده الباقي على قيد الحياة ماكجاثو، وأعلن مانديلا أن سبب الوفاة كان إصابة ولده بالإيدز، في الوقت الذي كان الحديث عن الإصابة بهذا الفيروس من المحرمات في البلاد.

وقد ساعد هذا الإعلان في أن تتعامل جنوب أفريقيا مع مرض الإيدز كغيره من الأمراض العادية.

وفي نهاية يناير/كانون الثاني عام 2011، نقل إلى مستشفى جوهانسبرغ من أجل إجراء فحوصات بسبب أزمة في التنفس، ثم نقل إلى المستشفى مرة أخرى في فبراير/شباط 2012 بسبب "شكوى مستمرة في البطن".

مانديلا والقضايا العربية
كان أول تفاعل لنيلسون مانديلا مع القضايا العربية في الخمسينيات من القرن الماضي؛ حيث زار الجزائر التي كانت لا تزال تحت حكم الاحتلال الفرنسي، كما زار مصر عام 1962 للقاء الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر.

واستمر تفاعل مانديلا مع القضايا العربية حتى ثورات "الربيع العربي" عام 2011؛ حيث وجه رسالة إلى الثوار طالبهم فيها أن يكونوا متسامحين مع أنصار الأنظمة السابقة لأنه يعتقد أن عدم التسامح يمكن أن يجعل الثورة تُستنزف وتدخل في صراعات داخلية لا طائل لها.

وفيما يخصّ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، عبّر مانديلا عن مناصرته للزعيم الفلسطيني ياسر عرفات؛ ففي فبراير/ شباط عام 1990، وبعد أيام على إطلاق سراحه من السجن الذي قضى فيه 27 عاما، عانق نلسون مانديلا بحرارة عرفات، وكانت تلك البادرة مثيرة للجدل حينئذ، مثلما يثير دعم جنوب أفريقيا للجانب الفلسطيني الجدل اليوم، لكن مانديلا لم يعبأ بالانتقادات.

وكانت منظمة التحرير الفلسطينية التي تزعمها عرفات داعما مخلصا لكفاح مانديلا ضد حكم الأقلية البيضاء.

وعام 1997، قال الزعيم الراحل، بعد ثلاث سنوات من انتخابه بشكل ديمقراطي رئيسا للبلاد: "حريتنا منقوصة بدون الحرية للفلسطينيين".

وفيما يتعلق بإسرائيل، لاحظ مانديلا أنه عندما أطلق سراحه من السجن تلقى دعوات الزيارة "من كل دولة في العالم تقريبا، باستثناء إسرائيل". وعندما بدأت إسرائيل بتوجيه الدعوات له خلال التسعينيات، لم يكن مانديلا في عجلة من أمره لقبولها.

وليس من قبيل الصدفة أنه عندما زار إسرائيل في عام 1999، كان ذلك في وقت بدا فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إيهود باراك، على وشك التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، وغالبا كان مانديلا يأمل أن يعطي حضوره نوعاً من الدفعة الأخيرة.

ونُقل عنه قوله: "الأحاديث عن السلام ستظل جوفاء إذا استمرت إسرائيل في احتلال الأراضي العربية، أنا أفهم جيدا لماذا تحتل إسرائيل هذه الأراضي. كانت هناك حرب. ولكن إذا أردنا أن يكون هناك سلام، فلا بد أن يكون هناك الانسحاب الكامل من كل هذه المناطق".

ولم يكن هناك شك في أن علاقات إسرائيل بنظام الفصل العنصري تركت أثرها لدى مانديلا.

وقال السفير الإسرائيلي في جنوب أفريقيا، ألون ليل: "كان مانديلا غاضباً بشأن ذلك التعاون وقال لن ننساه أبدا، لكنه قال إذا غيرتم موقفكم تجاه الفلسطينيين فسنفتح صفحة جديدة مع إسرائيل".

وكان مانديلا يعرف كيف يوازن بين الأمور الشخصية والسياسية.

لم يكن هناك شك في أن قلبه كان مع الفلسطينيين كشعب، لكنه يتذكر باعتزاز العديد من أفراد الجالية اليهودية في جنوب أفريقيا، الذين ساعدوه في سنواته الأولى الصعبة.

كان هناك الرجل الذي منحه وظيفته الأولى كمحامي، وكذلك آرثر غولدريتش، الناشط اليهودي الأبيض في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، الذي أخفى مانديلا عندما كان هاربا.

وكما قال مانديلا نفسه: "إنني مدين لليهود حتى لو أدليت في بعض الأحيان بتصريحات بشأن إسرائيل".

المصدر  القناة  BBC .