{وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعۡضَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بَعۡضَۢا بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُون } .

بقلم: د. سعيد سالم الحرباجي 

هكذا اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى ، وهكذا هي سننه في الأرض ، وهكذا هي إدارته لشؤون الكون .

ومن هذه السنن ( أن يهلك الله ظالماً...بظالم أشد منه ) .

ومن يستقرأ التاريخ يجد تلك الصور ماثلة للعيان ، واضحة بينة لا تحتاج إلى برهان .

ذلك أنَّه عندما يتجاوز الظالم حدوده في ظلم العباد ، ويتمادى في الجور ، والقهر ، والإذلال ..

وعندما يستفرغ المظلوم جهده في الدفاع عن دينه ، وعن نفسه ، وعرضه ، ومقدساته ...

حينها تتدخل المشيئة الإلهية للإنتقام من الظالم والثأر للمظلومين ، والإنتصار للحق..

كيف يحدث ذلك ؟ ومتى يحدث ذلك ؟

قال سبحانه وتعالى: { وكل شيء عنده بمقدار } 

ساعة الخلاص ، وساعة الانتقام ، وساعة الحساب ...يقدرها ربنا سبحانه وفقاً لمشيئته ، ووفقاً لنواميسه في إدارة الصراع مع الباطل .

وفي كثير من الأحايين ينتقم الله من الظالم بظالم أشد منه ، يسلَّطه عليه ..

فينكل به ، وينتقم منه ، بل ويتجاوز الحد في إيذائه ، وتعذيبه ..

ولا يولي عليه المظلوم كي يأخذ حقه ، ويستقضي لظلمه .

وذلك لأن قلوب المسلمين رقيقة ، مملوءة بالرحمة ، ولا يقوون على أن يؤدَّبوا الظالم ( لا ضعفاً ، وجبناً ) ولكن لأنهم ورثوا من النبوة المحمدية ، قيمة العفو ، وخلق السماحة ...

تلك القيم السامية التي تجلت في أروع صورها عندما تمكن الرسول من إخضاع كبرياء قريش .....

وجثا الطغاة والظلمة بين يديه صاغرين قال لهم ( لا تثريب عليكم اليوم ...إذهبوا فأنتم الطلقاء)

 

لهذا في كثير من الأحيان يجعلهم يتلذذون بعملية الانتقام لأنفسهم من خلال صراع الظلمة فيما بينهم ..

فتهدأ نفوسهم ، وَتُشفى صدورهم ، ويُذْهِبَ غيظ قلوبهم ، وَتُقر أعينهم وهم يرون الظلمة يتجرعون من نفس الكأس الذي تجرعوه .

ولذلك يقال: { الظالم سيف الله في الأرض ينتقم به وينتقم منه} .

وصدق الحق إذ يقول :

( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون ) .

فالظالمون أياً كان نوعهم ، وأياً كان جنسهم ، وأياً كان فكرهم ، وعقائدهم ...

يوالي بعضهم بعضاً ....

يجعل الله بعضهم أولياء بعض ، بحكم ما بينهم من تشابه في الخسة والطبع والحقيقة ، وبحكم ما بينهم من اتفاق في الوجهة والهدف ، وبحكم ما يجمع بعضهم بعضاً من العِداءِِ للدين ، وبحكم ما ينتظرهم من وحدة في الخاتمة والمصير ...

فإذا ما تمادوا في الظلم ، وإذا ما استشعروا أنهم قد أذلوا المظلومين ، وأخضعوا رقابهم ....

حينها يبرز سيف الإنتقام ، وعندها تبدأ ساعة الخلاص ، ووقتئذِِ تأتي لحظة دفع فاتورة الإجرام ...

فيغري الله بينهم العداوة البغضاء كما أخبر سبحانه وتعالى فقال :( فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ).

 فيسلط الله بعضهم على بعض بحثاً عن الخلاص ، والاستقرار ، والتفرد ..

فيّنتج عن ذلك { الصراعات ، والحروب ، والدمار ، والاقتتال ، والإنتقام } .

ما نراه اليوم رأي العين ( من صراع دامِِ ) بين الغرب والروس، وما يحدث الساعة بين اليهود والشيعة هو تحقيق لسنة الإنتقام الربانية.

فالكل أجرم بحق الشعوب العربية والإسلامية ، بل وبحق الشعوب المستضعفة ...

 وكان الكل يتقاسمون النفوذ على حساب ظلم الناس ، وإذلال الشعوب ، وقهرها ، وكان يوالي بعضهم بعضاً لتحقيق مصالحهم .

اليوم آن الأوان لدفع فاتورة الظلم ، وحان وقت حساب الإجرام ، ولاحت لحظة الإنتقام .

وصدق الله إذ يقول :

 { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} 

وها نحن نرى بأم أعيننا مناظر من التعذيب ومشاهد من الدمار ، والخراب...

لو قلت لعاقل قبل عامين اثنين أنَّ هذا سيحصل

( لقال لك : لقد أصبت بالجنون ) !!

ومع هذا حصل ، وسيحصل ما هو أفضع منه ، وأشد تنكيلا .

ذلك أنَّ هناك يداً تعمل في الخفاء ، ومشيئة إلآهية تدير الكون ، وتدبر شؤنه ، وتقدر نواميسه ، وتحدد سننه .

فالله يمهل ...لكنه لا يهمل.

وصدق الحق إذ يقول:{ ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون} .

اللهم قر أعيننا برؤية الظلمة أثراً بعد عين .