المحبة والتواصل الحميمي بين الزوجين في الإسلام

خلق الله -سبحانه- الزوجين ليكونا سكناً وراحة لبعضهما، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. وقد أرشدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أهمية المداعبة والملاطفة والكلام الجميل بين الزوجين، بشكل ضمني وليس مباشرا في قوله: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي».

ولهذا فإن كلا الزوجين مطالب بأن يحسن معاملة الآخر ويداعبه ويلاطفه ويتحدث إليه بكلام جميل، وكلاهما مطالب بأن بستجيب للآخر ويلبي رغباته بطريقة محببة ولطيفة ومشروعة...

وقد أكد القرآن الكريم على أهمية المودة والرحمة بين الزوجين! فقال -تعالى-: {... هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ...}؛ فالزوجان يكملان بعضهما، ويحتاج كل منهما إلى الآخر، وعليهما أن يعاملا بعضهما بالحب والرحمة والتفاهم.

وإذا افتقد الزوجان التواصل الحميم والمداعبة والملاطفة؛ فإن ذلك سينعكس سلباً على حياتهما العاطفية والأسرية، إذ قد يشعر كل منهما بالاكتئاب والملل والشعور بالنقص. لذلك ينبغي على الزوجين أن يسعيا جاهدين إلى إشباع رغبات بعضهما، ولو من باب التمثيل في بعض الأحيان، فذلك لا يعد كذباً بل هو من باب إسعاد الطرف الآخر وتعزيز الحياة الزوجية والأسرية. وليس ذلك كذبا ولا نفاقا؛ بل هو من باب الكذب المباح شرعا؛ حرصا على استقرار الأسرة وتماسكها؛ فقد جاء عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط -رضي الله عنها- قالت: «لم أسمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث: الإصلاح بين الناس، والحرب، وحديث الرجل امرأته والمرأة زوجها». وعلينا أن نعلم أن الكذب بين الزوجين أبيح في أحوال محددة؛ لتحقيق المصلحة والإصلاح بينهما؛ فالكذب المباح بينهما هو ما كان لغرض الإصلاح بين الزوجين، ولإظهار المحبة والود بينهما وتحقيق ألفة واستقرار الأسرة. أي أن الكذب المباح بينهما هو ما لا يؤدي إلى إضاعة الحقوق أو التهرب من الواجبات؛ بل يكون لمصلحة الأسرة وسلامتها. والأفضل الاقتصار على التورية؛ لا الكذب الصريح. ولنعلم أن الكذب المباح بينهما لا ينبغي أن يؤدي إلى أكل الحقوق أو الفرار من الواجبات، بل هو محصور في الأمور التي تحقق المصلحة والإصلاح بين الزوجين فقط.

ولقد أكد الإسلام على أهمية المداعبة والملاطفة والكلام الجميل في العلاقة الزوجية، لما لها من أثر إيجابي عميق على مشاعر الزوجين وعلى حياتهما العاطفية والأسرية، وقد قال -صلى الله عليه وسلم : «لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة وليكن بينهما رسول قيل: وما الرسول يا رسول الله؟ قال: القبلة، والكلام». وفي الخبر: "إذا جامع أحدكم أهله فلا يتجردان تجرد العيرين، وليقدم التلطف بالكلام، والتقبيل".
هذه المداعبة والملاطفة تُساعد على تهيئة أجواء مناسبة، تزيد من إثارة لذة الزوجين، وتُعبّر عن مشاعر الحب والاحترام المتبادل بينهما، ممّا يُقوّي العلاقة بينهما، وتُساعد على الشعور بالأمان والراحة، ممّا يُعزّز ثقة كل منهما بنفسه وبالآخر، وتُساهم في تحقيق السعادة الزوجية، بشكل ينعكس إيجابياً على جميع جوانب الحياة. بينما انعدام المداعبة والملاطفة والكلام الجميل قد يُؤدّي إلى فقدان لذة الزوجين، ممّا يُؤثّر سلباً على علاقتهما، وإلى الشعور بالبرود العاطفي بينهما، ممّا يُهدّد العلاقة الزوجية، وقد يُؤدّي إلى فقدان الثقة بالنفس لدى أحدهما أو كليهما، وإلى الشعور بالكآبة والاكتئاب لدى أحد الزوجين أو كليهما.
وعندئذ فإن الحوار المفتوح بين الزوجين حول احتياجاتهما ورغباتهما يعد من أهمّ خطوات العلاج، ومن المهمّ أن يُعبّر كلّ منهما عن حبه وتقديره للآخر بشكلٍ منتظم. ولا مانع من التعلم والتجربة؛ لاكتشاف طرق جديدة لإثارة وإشباع رغبات الآخر؛ فمن واجب كلّ منهما تلبية احتياجات الآخر بشكلٍ مُرضٍ. ويُساعد التقرب الروحي بين الزوجين على تعزيز مشاعر الحب والاحترام المتبادلة، ممّا ينعكس إيجاباً على جميع جوانب الحياة، بما في ذلك العلاقة الحميمة. ومن الطبيعي أن تحدث خلافات بين الزوجين من وقت لآخر، ويبرز هنا دور التسامح والغفران اللذان يُساعدان على تجاوز هذه الخلافات والحفاظ على علاقة قوية. ولا ينبغي لهما أن ينسيا من ييسر ويدبر كل أمور حياتهما، فالدعاء والاستغفار والصدقة كلها أمور تُساعد على تقوية العلاقة الزوجية وبث السعادة والسكينة في القلوب.
ختاماً، فإن الإسلام يحث الزوجين على المحافظة على الرابطة الحميمة والمودة والرحمة بينهما، فذلك هو أساس السكينة والاستقرار في الحياة الزوجية والأسرية.
والله تعالى أعلم! ودامت دياركم عامرة بالمودة والتراحم!