التطور خارج حدود التحيز

بقلم : حسين أحمد الكلدي 

في الحقيقة، كنت أسأل نفسي منذ زمن طويل، خلال تواجدي واختلاطي بمختلف الجنسيات التي عايشتها في جميع الدول التي سافرت إليها، وخلال غربتي الطويلة، واختلاطي بمختلف الجنسيات العربية والإسلامية والآسيوية والأوروبية والأفريقية، وكنت أبحث وأركّز على نقاط التحيز المؤثرة التي أعتقد أن جميع البشر لديهم تحيّز وخصوصية من نوع ما، وترتكز عليها نقاط القوة.فوجدت أن كل جنسية تميل إلى من يشبهها في المواطنة أو المعتقد أو القبيلة أو المحيط الجغرافي أو الانتماء الحزبي أو المستوى الثقافي أو المالي.ولكن كان التحيّز الأكثر قوة وتأثيرًا هو المعتقد الديني بالذات.لكنني لم أكتفِ بالبحث في هذا الإطار الذي ذكرته، بل أبحرت إلى آفاق أبعد وأرحب، لما يحويه هذا اللفيف المختلف من التحيز الفكري والعقائدي في هذا العالم، وما يميل إليه الأفراد والمجموعات من انجذاب لبعضهم البعض.وقد وجدت أن ميلهم، بشكل قوي في الغالب يكون نحوالمعتقدات المتماثلة، والآراء التي تتوافق مع قناعاتهم الراسخة في مجتمعاتهم، التي اكتسبوها منذ الطفولة.وفي هذه الحالة، يتم رفض أو تجاهل ما لا يتوافق أو يتعارض مع توجهاتهم. وقد قال الروائي الفرنسي أندريه جيد:"إن العقل غير المتحيز هو أندر الأشياء في العالم.وفي الأرجح، لدى البشر تحيزات في الدين، والعرق، والوظيفة،والجنسية والقبيلة.
ولكن إذا أردنا التطور، فعلينا كسر القيود التي خلقتها أفكارنا وعقولنا، أو ما وُضع لنا مسبقًا دون وعي، دون أن نغيّر ما لا يصلح في الوقت الراهن. والانفتاح على معرفة العالم والانطلاق.فإذا أردنا الخروج عن حدود هذه الدائرة، علينا أولًا أن نبتعد عن الروتين، الذي يجذبنا إلى نفس الأماكن والأشخاص التي نذهب إليها عادةً بدون وعي، كالمطاعم، ومواقع التجمعات اليومية، والسوبر ماركت، والبقالة، وحتى نفس الطريق الذي نسلكه دومًا دون وعي.إنه الروتين، هو من أكبر العوائق التي تمنعك من التعرّف على أشخاص وأماكن جديدة، لأننا في الغالب نذهب إلى نفس الأماكن في أغلب الأوقات.لماذا لم تجرّب غيرها؟ لماذا لم تخرج عن النمط المألوف؟ حتى تجرّب شيئًا جديدًا، وتكتشف طرقًا أفضل وأوسع. لا تنتظر أن تأتي الحياة إليك، بل اسعَ لتوسيع دائرتك، ومعارفك، وأعمالك، وعملائك، وحاول التعرّف على أصدقاء جدد، ومعرفة حياة الشعوب الأخرى، وعاداتهم، وتقاليدهم، وحياتهم.وعند الاندماج معهم، تتعلم خبرة جديدة، وأفكارًا جديدة،وبهذه الحالة تستكشف حياة من هم حولك. وقد وجدت أن طبيعة شعوب الأرض تغلق أبوابها بشكل غير مباشر أو غير مقصود، ولكن عندما تطرق تلك الأبواب، تُفتح لك على مصراعيها. فمن يريد الانطلاق إلى رحاب أوسع خارج حدوده، عليه الخروج من دائرة التحيّز، لأنه يؤثر على كيفية إدراكنا للعالم الذي نعيش فيه. حيث إني وجدت أن الأفراد يميلون إلى الانحياز إلى مجموعاتهم الخاصة، إن كان في الوظيفة أو الشركة أو المهنة، ويرفضون آراء المجموعات الأخرى، وخصوصًا في الفكر المعتقدي والحزبي. وهذا يمكن أن يؤدي إلى زيادة الاستقطاب، وعدم التفهّم لوجهات النظر المختلفة.اخرج من منطقة الراحة في العلاقات، واستمتع باللقاء مع أفراد خارج دائرتك. وكلما تواصلت أكثر، زادت قدرتك على التأثير والتأثر الإيجابي بالآخرين، لأن نجاحاتك تعتمد على توسيع دائرتك في العلاقات العامة، فذلك هو العنصر الأكثر قيمة لديك، والذي تُبنى عليه نجاحاتك المستقبلية.

29 / 6 / 2025م