الوطنية ليست شعاراً... بل انتماء يتجسد في الأفعال
في زمن تكاثرت فيه الشعارات وتضخمت الهتافات، بات من الضروري أن نُعيد تعريف الوطنية؛ فالوطنية لم تكن يومًا لافتة تُرفع في المهرجانات، أو خطابًا يُتلى في المناسبات، أو حتى تغريدة تُنشر في وسائل التواصل، الوطنية أعمق من ذلك بكثير، إنها موقف، شعور، التزام، وانتماء يتجلى في الفعل لا في القول، في التضحية لا في المكاسب.
الوطنية ليست أداة بيد الخارج، ولا وظيفة تُدار بـ"الريموت كنترول" من فنادق العواصم، بل هي أن تكون في قلب الوطن، بين شعبه، تحس بآلامه، وتعيش معاناته، من يحكمون الناس عن بُعد، وينعمون في بحبوحة الفنادق الفارهة، بينما الشعب يئن تحت وطأة الجوع والحرب والخوف، لا يحق لهم الحديث عن الوطنية، بل هم أبعد الناس عنها.
ما نعيشه اليوم ليس أزمة اقتصادية فحسب، بل أزمة وطنية بامتياز، أزمة ضمير، أزمة أخلاق، أزمة انتماء، حين تُنهب مقدرات البلاد علنًا، وتُفرض الإتاوات على السائقين في الطرقات، وتُبتز التجارات، وتُسرق المعونات، ويُشرد المواطن، فاعلم أننا أمام خلل عميق في مفهوم الانتماء، وأن الوطنية لم تعد تحكم السلوك العام.
من يغادرون الوطن عند أول وهلة، تاركين الشعب يواجه مصيره، ليسوا وطنيين، الوطنية لا تُقاس بعدد الكلمات ولا بعدد الصور على الجدران، ولا بعدد التضحيات والشهداء، بل تُقاس بمدى قربك من هموم الناس، فكم من "مسؤول" أو "قائد" يتغنى بالوطن صباح مساء، لكنه لم يزر جبهة، ولم يمشِ في حيٍّ فقير، ولم يذق مرارة انتظار الكهرباء أو انقطاع الماء؟ هل هؤلاء وطنيون؟ لا، بل هم جزء من الأزمة، لا من الحل.
الوطنية هي أن تشعر بأنك مسؤول عن كل دمعة يتيم، وعن كل تنهيدة جائع، وعن كل أمٍ تبحث عن دواء لابنها فلا تجده، الوطنية هي أن تحمي البلاد لا أن تنهبها، أن تبني لا أن تهدم، أن توحّد لا أن تفرّق.
في الاخير نداء أوجهه إلى الشباب: أنتم أمل هذا الوطن، فلا تنخدعوا ببريق الشعارات الكاذبة، ولا تغترّوا بمن يتحدثون عن الوطن وهم أبعد الناس عنه، الوطن يناديكم اليوم أن تكونوا عماده الحقيقي، أن تكتبوا قصته بأيديكم، أن ترفعوه لا أن تنتظروا من يُنقذه.
لا تورّثوا أبناءكم وطنًا مستباحًا، بل وطنًا يعتز بكم كما تعتزّون به، الوطن لا يُبنى بالخطب، بل بالهمم.
ودمتم سالمين