شجرة الغريب تراث يئن بين العجز والرجاء!
شجرة "الغريب" ليست مجرد جذع شامخ بمحافظة تعز؛ بل هي شاهد على التاريخ، ومعلم بيئي فريد، وموروث شعبي نادر يقف اليوم على حافة الانهيار، تصارع الموت في صمت، وتستنجد بأبنائها في ظل تراجع الاستجابة الرسمية، وتشتت الجهود الشعبية.
شجرة في العناية المركزة منذ أشهر، تعاني من تدهور مريع في بنيتها الحيوية نتيجة تعفن واسع طال جذعها، وتسرب مستمر للمياه داخل أنسجتها، أدى إلى تساقط خلايا اللحاء وتكاثر الفطريات والحشرات. وأفادت تقارير ميدانية بأن الحالة وصلت إلى ما يشبه “الانسلاخ” في قمة الجذع والفروع، مما يهدد بحدوث انهيار كلي في حال لم تُتخذ إجراءات علاجية عاجلة وشاملة.
بدأ الفريق الفني المتطوع، المؤلف من مهندسين زراعيين وخبراء بيئة، بتنفيذ المرحلة الأولى من التدخل العلاجي الآمن. تم فيها تنفيذ بعض عمليات التعقيم، واستخدام مبيدات فطرية، وتطهير موضعي لأنسجة مصابة. لكن هذه المرحلة لم تكتمل؛ فقد تعثرت الجهود بسبب عدم صرف مستحقات الفريق العلاجي، وعدم تسديد قيمة المبيدات التي تم شراؤها بضمانات شخصية من المهندسين، حيث لم يتم استلام سوى مبلغ ضئيل لا يكفي لتغطية أدنى احتياجات المعالجة.
وعلى الرغم من صدور توجيهات واضحة من محافظ محافظة تعز إلى مدير مديرية الشمايتين بصرف مخصصات؛ فإن التأخير والتسويف من قبل الجهات المعنية، أدى إلى تعطيل العمل واستنزاف طاقات الفريق.
تزامن هذا التدهور مع موسم الأمطار، ما زاد من المخاطر المحدقة بالشجرة، خاصة أن مياه الأمطار تتسرب إلى جوفها المتعفن، ما يعزز انتشار الفطريات ويزيد من تعفن الجذع.
كبصيص أمل أعلن المركز اليمني للإعلام الأخضر (YGMC) عن بدء تقييم شامل للمرحلة الأولى من العلاج، يشارك فيه المهندسون والناشطون والإعلاميون، وسيتم فيه فحص الجوانب العلاجية، والمالية، والإدارية، إلى جانب تقييم مساهمة المجتمع المحلي، ومخرجات الشراكة مع الجهات الرسمية.
ويأمل المعنيون أن يكون هذا التقييم منطلقا لتصحيح المسار واستكمال العلاج ضمن خطة واضحة وجدول زمني محدد، دون ترحيل المشكلات أو تكرار الأخطاء السابقة.
وثمة مبادرات تنبض بالحياة ما يبعث على الأمل هو التفاف أبناء المنطقة والناشطين حول الشجرة، وتشكيل لجنة مجتمعية داعمة، وتنظيم لقاءات ومناشدات رسمية وشعبية. كما طرح الخبراء العديد من الأفكار المبتكرة مثل:
- استخدام الزيولايت كمادة ماصة للرطوبة داخل جوف الشجرة بطريقة لا تلامس جذعها مباشرة.
- اعتماد الدخان العطري بواسطة مدخنة نحل لتعقيم اللب دون أضرار حرارية.
- تطبيق الإدارة المتكاملة للآفات التي توازن بين مكافحة الحشرات ومنع تعفن الفطريات.
ونقاط القوة والفرص هنا تكمن في:
- وجود كادر متخصص من المهندسين والباحثين الزراعيين المتطوعين.
- وجود لجنة مجتمعية واعية ومبنية على التعاون مع السلطة المحلية.
- دعم إعلامي من قبل المركز اليمني للإعلام الأخضر يضمن الشفافية والمساءلة.
- اهتمام شعبي واسع محليًا ووطنياً بالشجرة كرمز بيئي وتاريخي.
بينما نقاط الضعف والتحديات تكمن في:
- ضعف الالتزام المالي والإداري من قبل الجهات الرسمية.
- تأخر صرف المستحقات اللازمة لاستكمال العلاج وشراء المستلزمات.
- قلة المتابعة الميدانية من الجهات المختصة، رغم حساسية المرحلة وخطورة التأخير.
- عشوائية المعالجات الجزئية التي تتم أحيانًا دون فحص مختبري دقيق للمسبب الميكروبي.
والخلاصة: بين الحياة والموت شجرة الغريب تحتضر؛ لكنها لم تمت بعد. لا تزال قادرة على الحياة إن تضافرت الجهود الرسمية والمجتمعية لإنقاذها قبل فوات الأوان. هناك من قدم وقته وجهده وماله، لكن ذلك لن يكفي ما لم تتحمل الجهات الرسمية مسؤوليتها في تمويل المرحلة الثانية فورًا، وتوفير المواد والمبيدات اللازمة، ودعم الفريق الفني المهني الذي أثبت إخلاصه.
وفي رسالتنا الختامية نقول: لن يُغفر لنا، كدولة ومجتمع، أن تذبل "حارسة الدهر" أمام أعيننا بينما نكتفي بالمراقبة أو تبادل اللوم. فشجرة الغريب لا تطلب الكثير: قليل من التقدير، وقليل من الدعم، وكثير من الإخلاص.
والله تعالى أعلم!
ودمتم سالمين!