تعز تختنق من العطش... وصمت السلطة المحلية يعمق الجراح

تعيش مدينة تعز، منذ سنوات الحرب الأولى، أزمة خانقة في المياه تحولت إلى كارثة إنسانية مستمرة، تثقل كاهل المواطنين الذين باتوا عاجزين حتى عن الحصول على مياه الشرب. هذه الأزمة المزمنة تعود أسبابها بشكل رئيسي إلى تحكم مليشيات الحوثي بمصادر المياه في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وعلى رأسها آبار الحوجلة والحيمة، المصدر الأساسي للمياه في المدينة، والتي قطعتها المليشيات عن سكان تعز منذ بدء الحرب، ضمن سياسة التجويع والحصار.


ويزيد من حدة الأزمة شح الأمطار، واستنزاف المياه الجوفية داخل المربعات السكنية في المدينة، نتيجة الاستهلاك العشوائي وقلة البدائل، مما فاقم من صعوبة الحصول على المياه. فالماء، وهو أبسط مقومات الحياة، بات سلعة نادرة تباع بأسعار خيالية لا يستطيع المواطن العادي تحملها، في ظل انهيار الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع نسب الفقر ومعدلات البطالة.


وفي الأيام القليلة الماضية، بلغ الوضع ذروته، حيث شهدت المدينة انعداماً تاماً لمياه الشرب. فقد اختفت المياه من المحطات، وأقفلت أبواب البقالات دون قطرة ماء، وجفت خزانات الجمعيات الخيرية والمنظمات الإنسانية، التي كانت تسهم ولو بشكل محدود في التخفيف من المعاناة. المواطن اليوم في تعز لا يملك القدرة على شراء الماء، ولا يجد من يمد له يد العون.


ورغم كل هذه المآسي والكوارث المتصاعدة، تقف السلطة المحلية في تعز موقف المتفرج، وكأن الأزمة لا تعنيها، لا تبذل جهداً في البحث عن حلول، ولا تتحرك لإنقاذ ما تبقى من كرامة المواطنين. بل تكتفي بإصدار التصريحات الخجولة والتبريرات الواهية، دون اتخاذ أي خطوات ملموسة على الأرض.


المفارقة المؤلمة أن هناك مشروعاً جاهزاً يمكنه إنهاء أزمة المياه بشكل جذري، وهو مشروع مياه الشيخ زايد بن سلطان في منطقة الضباب، الذي تم تجهيزه بدعم سخي من دولة الإمارات العربية المتحدة، وبمتابعة مباشرة من قبل العميد طارق محمد عبدالله صالح، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي قائد المقاومة الوطنية. إلا أن هذا المشروع يواجه عراقيل مستمرة من قبل جهات متنفذة وبتواطؤ السلطة المحلية، لا لشيء إلا لأنه لا يصب في مصلحتها السياسية الضيقة.


لقد أضاعت السلطة المحلية في تعز فرصة تاريخية لإنهاء واحدة من أكبر الأزمات التي تضرب المدينة، وأثبتت مجدداً أنها غير جديرة بالمسؤولية، ولا تمتلك الإرادة السياسية أو الأخلاقية لإنقاذ المواطنين من هذه الكارثة. ومادامت المصالح الحزبية والشخصية هي المحرك الأساسي لقراراتها، فإن معاناة أبناء مدينة تعز ستستمر، وربما تتضاعف أكثر وأكثر.


إن على السلطة المحلية أن تدرك أن تعز لم تعد تحتمل المزيد من الأزمات، وأن استمرار تجاهلها لأزمة المياه سيقود إلى انفجار اجتماعي قادم لا محالة. فالماء ليس ترفاً يمكن تجاوزه، بل هو حق أساسي من حقوق الإنسان، وأي تهاون فيه يعد جريمة لا تسقط بالتقادم.