قراءة نقدية عن المقال الذي يحمل عنوان "الدولة المدنية الحديثة مدخل للعدالة والتنمية والسلام"
أودّ أن أتقدّم بجزيل الشكر والتقدير للدكتور وليد ناصر الماس على هذا الطرح العميق والمتزن، الذي يجمع بين "الرؤية الفكرية الواعية، والتحليل السياسي المتجذر في مقاصد الاجتماع الإنساني ومبادئ العدالة المدنية".
لقد أبرز الدكتور الماس بأسلوب علمي رصين أن: "الدولة المدنية الحديثة لا تعني العلمانية المتطرفة التي تُقصي الدين"، ولا هي الثيوقراطية التي تُسخّر الدين للهيمنة السياسية، بل هي "صيغة توازن عقلاني تضمن حرية الاعتقاد، وتحفظ كرامة الإنسان، وتُعلي من شأن المواطنة كأساس للعلاقة بين الدولة والمجتمع".
من الناحية الفلسفية والاجتماعية، فإن ما جاء في النص من التأكيد على (رفض التوظيف السياسي للدين)، يمثل استحضارًا واضحًا لتحذيرات كبار المفكرين، كابن خلدون الذي رأى أن توظيف الدين لأغراض العصبية يؤدي إلى فساد العمران، وكذلك المفكرين الإسلاميين المعاصرين الذين ميزوا بين "القيم الدينية" كمرجعية أخلاقية، و"السلطة الدينية" كأداة قهر.
كما أن الإشارة إلى أن الدولة المدنية تُعنى "برفض مظاهر التعصب والتطرف بمختلف أشكاله (سياسي، ديني، عرقي، اجتماعي...)" يعكس وعيًا عميقًا بأن بناء السلام الأهلي لا يكون إلا من خلال "الاعتراف بالتعددية، وتعزيز قيم الحوار، وترسيخ حكم القانون العادل لا حكم الجماعات."
ومن المنظور التنموي، فإن ربط الكاتب بين قيام الدولة المدنية وتحقيق (العدالة الاجتماعية، وخلق تنمية شاملة، وضمان التوزيع العادل للثروات، ومنع احتكار السلطة)؛ هو قراءة دقيقة لتجارب الأمم الناهضة، التي أثبتت أن "الاستقرار لا ينشأ من الولاءات الضيقة، بل من تكافؤ الفرص والشفافية والحوكمة الرشيدة".
وختامًا، فإن الدعوة الواضحة التي ختم بها الدكتور الماس مقاله، إلى "تمدين الحياة العامة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية" ، تشكّل صرخة فكرية نبيلة للخروج من دائرة الصراع والاقتتال، والدخول إلى فضاء الدولة القانونية التي تحتضن الجميع، وتبني وطنًا يتسع لاختلافاته وتنوعه.
إن هذا المقال ليس مجرد بيان سياسي، بل هو إسهام فكري ناضج في النقاش الدائر حول مستقبل الحكم في العالم العربي والاسلامي، وهو دعوة للتأمل في جذور الأزمات لا في مظاهرها فقط.
مع خالص التقدير والاحترام.
فهد اليزيد ميغا،
باحث في الفلسفة التربوية وعلم الاجتماع التربوي وعلم النفس التربوي
جامعة كوتيالا الأهلية– مالي.