مفاهيم مخلوطة بين البيتموس والكمبوست
في المشهد الزراعي العربي، تتكرّر ظاهرة تُعد من أكثر الأخطاء المفاهيمية شيوعا؛ بيع الكمبوست الهوائي على أنه بيتموس، وهو أمر لا يقتصر على الأسواق الشعبية؛ بل يمتد إلى بعض مشاتل النباتات وحتى الموردين الزراعيين.
وراء هذا الخطأ أمران: سوء فهم علمي لمكونات كل مادة واستخداماتها، والخلط التاريخي بين أنواع الكمبوست، خاصة بعد أن ساد استخدام الكمبوست اللاهوائي في العقود الماضية، رغم ما فيه من أضرار بيئية وزراعية، وتراجعت قيمته عالميا لصالح الكمبوست الهوائي الأكثر أمانا وكفاءة.
البيتموس هو مادة عضوية متحللة جزئيا، تتكوّن طبيعيا من الطحالب والنباتات في بيئات مستنقعية باردة تفتقر للأوكسجين، خاصة في كندا وشمال أوروبا وروسيا. ويُستخدم في الزراعة كمكوّن خفيف في التربة لتحسين التهوية والاحتفاظ بالرطوبة؛ لكنه لا يحتوي على مغذيات أساسية للنباتات. كما أن حموضته العالية تجعله غير مناسب لبعض النباتات؛ إلا بعد تعديلها بإضافة الجير الزراعي.
والأهم أن البيتموس ليس سمادا، ولا يُستخدم كمصدر لتغذية النبات؛ بل كمكوّن وسط يُخلط مع مواد أخرى حسب الحاجة.
بينما الكمبوست الهوائي هو نتاج تحلل عضوي مراقب لمخلفات نباتية
وغذائية، في وجود الأوكسجين، حيث تنشط الكائنات الدقيقة لتفكيك المادة العضوية وتحويلها إلى سماد عضوي غني بالعناصر المغذية، مثل النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم.
هذا النوع من الكمبوست يُعد اليوم الخيار المفضل عالميًا، لما يتمتع به من:
- محتوى غذائي عالٍ.
- غياب الروائح الكريهة.
- خلوه من مسببات الأمراض عند معالجته الجيدة.
- توافقه البيئي الكامل.
لكن في بعض الدول العربية، يُسوَّق الكمبوست الهوائي؛ نظرا لشكله الليّن ولونه البني على أنه "بيتموس"، وهذا غير صحيح؛ لأن الفرق الجوهري بينهما لا يكمن في الشكل؛ بل في الوظيفة والمحتوى والخصائص الكيميائية.
والكمبوست اللاهوائي، وهو ما كان يُستخدم في العقود الماضية، يتم تحضيره في غياب الأوكسجين، وينتج عنه غالبا:
- روائح كريهة.
- تكوين مركبات سامة.
- بيئة غير متوازنة للمزروعات.
- تلوث للتربة والمياه الجوفية إن لم يُعالج جيدا.
ولذلك، نبذه العالم المتطور، واتجه بكامل ثقله إلى الكمبوست الهوائي، نظرًا لكفاءته وسلامته، وهو ما نحتاج إدراكه محليا.
الزراعة ليست تجربة عشوائية؛ بل علم متكامل يقوم على الفهم الدقيق لكل مادة تُضاف إلى التربة. وخلط البيتموس بالكمبوست، أو تسويق أحدهما باسم الآخر، لا يضر فقط بالنبات؛ بل يُضعف ثقة الناس بالمنتجات الزراعية، ويؤخر نضج السوق العربي في هذا المجال؛ لهذا، من الضروري:
- رفع مستوى الوعي لدى المزارعين والمهتمين بالزراعة المنزلية.
- تصحيح التسميات في الأسواق المحلية.
- تقديم دورات إرشادية حول أنواع التربة والسماد.
- تبنّي المواصفات الدولية في تصنيف المواد الزراعية.
قبل أن تشتري "بيتموس" تأكّد أنه بيتموس فعلي؛ لا كمبوست هوائي. وقبل أن تزرع، ازرع الفهم. فالأرض تعطي لمن فهمها، لا لمن خلط بينها وبين غيرها.
وفق الله الجميع، ودمتم بسلامة الله!