ثورة 11 فبراير .. من شعار "أرحل " إلى وطن يعيش على الهاوية
عندما اندلعت الاحتجاجات الشعبية في اليمن عام 2011م، كان الأمل يحدو الكثيرين بأن التغيير سيجلب مستقبلاً أفضل، وأن البلاد ستشهد تحسناً في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، غير أن الواقع الذي أعقب تلك الأحداث كشف عن صورة مختلفة تماماً، حيث لم يكن التغيير سوى بداية لحقبة جديدة من الأزمات والتدهور.
حينما علت أصوات المحتجين في الساحات مرددين شعار "ارحل"، لم يدرك الكثيرون أن هذا الشعار لن يكون موجهاً فقط للنظام الحاكم آنذاك، بل سيكون بداية لرحيل الوطن نحو الفوضى والانهيار. واليوم، بعد أكثر من عقد على تلك الثورة، يبدو أن الذين قادوا هذا الحراك قد غادروا المشهد، تاركين خلفهم وطناً ممزقاً، وشعباً يعاني الويلات.
في الوقت الذي يعيش فيه المواطن اليمني أسوأ الأزمات الاقتصادية والإنسانية، نجد أولئك الذين تصدروا المشهد الثوري ينعمون بحياة رغيدة خارج البلاد، متنقلين بين الفلل الفاخرة والجامعات المرموقة، بينما يواجه اليمنيون في الداخل أزمات خانقة، من الغلاء الفاحش، وانعدام الرواتب، إلى انهيار الخدمات الأساسية.
لقد تحولت البلد إلى ساحة صراع مستمر، وأصبح المواطن هو الضحية الأكبر في لعبة المصالح السياسية ، فبدلاً من تحقيق العدالة الاجتماعية التي كانت من أبرز مطالب الثورة، وجد اليمنيون أنفسهم يغرقون في مستنقع من الفساد والمحسوبية، حيث بات الحصول على أبسط الحقوق أمراً بالغ الصعوبة ؛ الاقتصاد انهار، والعملة فقدت قيمتها، والبطالة ارتفعت إلى مستويات غير مسبوقة ؛ أما الخدمات الأساسية، فقد أصبحت شبه معدومة، فلا كهرباء، ولا مياه نظيفة، ولا بنية تحتية صالحة، ناهيك عن تدهور القطاع الصحي والتعليمي.
لم تتوقف الكارثة عند الحدود الاقتصادية، بل امتدت إلى النسيج الاجتماعي نفسه، حيث عمّقت الصراعات السياسية الانقسامات الطائفية والمذهبية، وأصبح اليمن مقسماً بين طوائف وفصائل متناحرة، كل منها يدّعي امتلاك الحقيقة المطلقة، فيما الوطن يغرق أكثر فأكثر في مستنقع الحروب والتشرذم.
لقد تحولت البلاد إلى غابة، حيث القوي يفترس الضعيف، وحيث الفساد أصبح هو القاعدة، والعدل استثناء نادر؛ لم تتحقق الحرية التي نادى بها البعض، بل حلّ محلها استبداد جديد بأوجه متعددة، وصار المواطن العادي يواجه الموت بأشكال مختلفة، سواء بانعدام الرعاية الصحية، أو الفقر المدقع، أو حتى الانتحار يأساً من واقع لا يرحم.
هل كان هذا هو الحلم؟ هل كانت هذه هي العدالة التي نادى بها المتظاهرون؟ كيف لأولئك الذين أشعلوا فتيل الثورة أن يعيشوا اليوم في نعيم خارج البلاد، بينما يعاني المواطن داخل اليمن من أفظع أشكال القهر والجوع وانعدام الأمل؟
لم تكن الثورة سوى بداية لحقبة من المحق، حيث تم تدمير كل شيء جميل في هذا الوطن، وتحويله إلى ساحة صراع مفتوحة، لا رابح فيها سوى تجار الحروب وأصحاب المصالح.
رغم كل هذا الظلام، لا يزال هناك بارقة أمل في أن يعود اليمن إلى مساره الصحيح، لكن ذلك لن يتحقق إلا بإرادة حقيقية للخروج من هذا النفق المظلم، وإعادة بناء البلاد على أسس من العدالة والمواطنة المتساوية، بعيداً عن المصالح الضيقة التي دمرت هذا الوطن.
لقد آن الأوان لأن يدرك الجميع أن الثورة الحقيقية لا تكون بالهدم والفوضى، بل ببناء دولة قوية تحترم حقوق مواطنيها، وتوفر لهم حياة كريمة داخل وطنهم، بدلاً من أن يصبح الحلم الوحيد لليمني هو الهروب بحثاً عن حياة أفضل في مكان آخر.