الهروب وإعادة التموضع.. تكتيكات صالح وهادي

بقلم: وليد الاثوري*

في سياقات النزاع والاضطراب، تبقى قرارات القادة السياسيين والعسكريين حاسمة في تحديد مسار الأحداث، بين الهروب وإعادة التموضع، تتباين التكتيكات، وتختلف النتائج.. هنا سوف اقدم قراءة أمنية تحليلية لقرارات إعادة التموضع مقارنة بالهروب، من خلال نماذج واقعية في البيئة اليمنية، تحديدًا من صنعاء.

تأخر القرار: ثغرة في التقدير الزمني

وهذا ما سميته في بحث الهندسة الأمنية القيمة على خط الزمن.. الرئيس الشهيد علي عبد الله صالح اتُّخذ قرار إعادة التموضع في سياق استمرار المواجهة بشكل متأخر جدًا، الأمر الذي جعل الموقف أكثر تعقيدًا.

في ظل تصاعد الاختراقات الأمنية، تم اعتماد خطة خروجة بثلاثة مواكب كوسيلة للتمويه، وهي خطوة مناسبة مبدئيًا، لكنها لم تكن كافية نظرًا لحجم الاختراق الكبير والهجوم الواسع.

الحاجة إلى خطة بديلة: لم تكن الخطة الرئيسية مدعومة بخيار بديل فعّال.. كان من الضروري، على الأقل، إعداد مركبة مدنية عادية تتبع مسارًا منفصلًا بعد الخروج من صنعاء، لتكون جزءًا من خطة بديلة لمواجهة احتمالات الرصد والملاحقة.

من هنا، تبرز أهمية المرونة الأمنية في حالات إعادة التموضع، والتي تتطلب دومًا سيناريوهات احتياطية جاهزة للتنفيذ.. يبقى السؤال اللافت: لماذا لم يقم قائد حراسة حصن عفاش بتأمين المديرية بالكامل، وكانت تلك القرية ضمن نطاقهم؟.

هل كان ذلك بدافع الحماية؟ أم بهدف تشتيت الانتباه؟ أم أن هناك تنسيقًا مسبقًا؟.. هذه الأسئلة تفتح المجال لتحليل مدى التعاون أو الانكشاف داخل المنظومة الأمنية في حماية الرئيس الأسبق

نماذج من التكتيكات القيادية في إعادة التموضع: الرئيس علي عبدالله صالح اتبع أسلوب المواجهة المباشرة عند محاولته الخروج، متجاوزًا نطاقات السيطرة.. وهو خيار عالي المخاطرة، يتطلب استعدادًا استثنائيًا لمواجهة العواقب.

الرئيس عبدربه منصور هادي تعامل بعقلانية وتوقيت محسوب: استخدم تكتيكًا هادئًا ومدروسًا في المرحلة الأولى عندما تم مهاجمة منزلة اتخذ قرار الاستقاله وهنا قام بعمليه فصل المخاطر عليه بشكل نهائي.. أنا لم اعد رئيس الجمهورية، في حالة الاعتقال هو مواطن، في حالة الانقلاب أنا أصلا ليس رئيس وهنا شكل حماية شخصية قوية 

لو تم اعتقاله قبل الاستقالة. 

اعتقال للرئيس وبعد ان قدم الاستقالة مواطن يمني من أبين.. ونفس التكتيك عند مغادرته من صنعاء إلى عدن في عملية التموضع الاولي.. وفي المرحلة الثانية، اتخذ قراره الاستراتيجي في اللحظة المناسبة في عملية التموضع الثاني إطار التحالف العربي، وشخصيات أخرى لجأت إلى أسلوب التخفي والتنقل بطرق متعددة حفاظًا على سلامتها، حتى إذا ما توفرت فرصة الانظمام إلى قوى المقاومة، التحقت بها. 

التمييز الحاسم: الهروب أم إعادة التموضع؟

في التحليل الأمني، لا يمكن استخدام مصطلحي "الهروب" و"إعادة التموضع" بشكل مرادف.. الهروب غالبًا ما يكون ارتجاليًا، ينم عن انهيار في القيادة أو فقدان السيطرة علي الموقف أو على الذات القيادية.

أما إعادة التموضع، فهي قرار استراتيجي يُتخذ بناءً على قراءة دقيقة للموقف العسكري، وتقدير للفرص والتهديدات.. التمييز بين المصطلحين يتوقف على طبيعة الموقف العسكري، وظروف الزمان والمكان، ومدى القدرة على إعادة تجميع الصفوف والمواصلة، لا الانسحاب.

في الحروب والصراعات، تبقى القرارات الأمنية المرتبطة بالتنقل والتحرك من أخطر ما يواجه القادة.. فبين التمويه والتوقيت، وبين المواجهة والتخفي، يكمن الخط الفاصل بين الانهيار والصمود.. وفهم الفرق بين الهروب وإعادة التموضع لا يُعد فقط تحليلًا للماضي، بل درسًا استراتيجيًا في فن القيادة والبقاء.

* عقيد وباحث في العلوم الأمنية