يا فرخة ما تمت

عندما يعود المغترب العربي من الغربة، فإنه لا يعود وحده، بل تعود معه كل أمراض العصر، من الكولسترول، ضغط الدم، وأحلام بحجم وزة مشوية.

عاد "الحاج حسنين"، مغتربنا الصعيدي، من أرض الحرمين بعد سنوات من الغربة.

غربة عن الحلال، وحرمان من كل طعام فيه ريحة لحمة خروف مشوية، أو حمامة محشية بالفريك.

 قضى عمره في تقبيل كل فرصة عمل تأتيه من تحت الطاولة وفوقها، كان يفطر الفلافل ويشرب ماء السبيل، ويتغدى ويتعشى دجاج في دجاج، ويرسل الحوالة كل أول شهر كأنها فرض عبادة.

ثلاث سنوات من التنقيط، من أجل يومٍ واحد يذبح فيه خروف على شرف العودة، ويشم فيها ريحة لحمة جاموسة، أو في أسوأ الأحوال بطة ترفرف بجناحيها قبل أن تسلم رقبتها لسكين معدة الحج.

لحين وصل، استقبلته أم العيال، وقد لبست أحلى ما عندها من "تراث ما قبل الغلاء"، وبادرت بذبح دجاجة "فرخة" يتيمة، قالت إنها "أحلى حاجة" في السوق.

فرخة يا بنت الكفرة؟

نعم، فرخة بحجم العصفور، محشوة بالأرز، لكنها ليست وجبة الإستقبال المهيب للحج حسنين.

تجمد الزمن في عينَي الحاج. لم ير الفرحة في الفرخة، بل رأى الإهانة وهي ترقص على طبق التقديم.

كيف لامرأة عاش معها العمر كله، وانتظرته ثلاث سنوات عجاف، أن تستقبله كعامل نظافة عائد من دوامه، وليس كخادم الهرمين العائد من أطهر بقاع الأرض؟

اشتعلت ثورة داخلية في نفس الزوج، وخرجت من فمه كل عبارات التوبيخ، ثم خرجت يده أيضاً، لكنها لم تكتفِ بالإشارة، بل اختارت أن تؤدب الأذن اليسرى، وتفصلها عن صاحبتها فصلاً نهائياً، "فرخة يا بنت الكلب؟".

وهكذا، تحوّلت ليلة العودة من ليلة دجاج إلى مذبحة أسرية، راحت فيها أذن الحجة صابرين.

المأساة ليست في الفرخة، بل في مفهوم الكرامة لدى البعض. 

البعض يختزل الرجولة في قطعة لحم، ويعتبر أن البط والوزّ هما معيار الوفاء في المجتمع المصري تحديدا، في حين لا تقاس المشاعر بعدد الأحضان، بل بعدد الأرجل المشوية التي تتراقص فوق السفرة.

ولو كانت الزوجة قد ذبحت بقرة، ربما طلقها من فرط السعادة، أو طلق الغربة من شدة الدهشة.

الآن، ترقد الزوجة في المستشفى، ترمم أذنها، بينما يجلس الزوج في الحبس، يرمم الساعة اللي رجع فيها لمراته النكدية.

عزيزي المغترب، في المرة القادمة، خذ الوزة معك من المطار، ووفر على حرمتك إغلى حواسها الخمس.