زمن المشاحنات

بقلم: حسين السليماني الحنشي 

التماس الأعذار طريق الاخيار،
ونسيان الماضي من شيمة الكبار، وهذان كفيلان بأن يجعلان مجتمع ما، خال من المشاحنات التي كثرت اليوم بمجتمعاتنا.
إن في زمن المشاحنات والخلافات، تكثر الأكاذيب والاباطيل، والتي يقودها الساقطين، من أجل التسلط على رقاب الناس وهم في غفلة المشاحنات التي يغذونها، فتضيع الأحلام والرؤى المستقبلية لبناء المجتمع.
فقد وقف، محمد النبي الرسول صل الله عليه وسلم، أمام الجاهلية الذين لا يؤمنون بالقيم والمبادئ الإنسانية، ليبني أعظم مجتمع قويم، تضيع فيه الفوارق الاجتماعية، وتذوب كل العادات والتقاليد السيئة، وكما نشاهد اليوم الحرب على الفضيلة من قبل الخارجين عن الإنسانية، فقد وقف النبي صل الله عليه وسلم ، في صلح الحديبية، أمام تلك القوى المتشيطنة والمتسلطة على المجتمع دون منافس، وهي لا تحب الفضيلة، وتتعامل بكل قسوة تجاه الفضيلة وأهلها.
كان موقف النبي صل الله عليه وسلم ، في تلك اللحظات الحرجة ، موقف محافظ على الأرواح؛ لأنها حرب تدفعها المشاحنات، والتي كان يعج بها المجتمع، أو تدفعها بعض الأطماع أو العقول الناقصة، أو يتزعم القوم من هو فاقد للصفات التي يتحلى بها القائد...
في هذه اللحظات الحرجة، لا تتقدم غير السيوف المسلولة بأيد يشحنها الغضب...
في هذه اللحظات الحرجة تخرج العظمة والإنسانية الفريدة والأسوة الحسنة التي كان لازاماً على الأمم والزعامات التخلق بأخلاق ـ محمد صل الله عليه وسلم ـ كان إتفاق على عقد صلح بين كفار قريش والمسلمين، فأختار الكفار من قريش أعظم رجالهم السياسيين والدبلوماسيين كما يعرف اليوم ليمثلهم لهذه المهمة، وهو ـ سهيل بن عمرو ـ لعقد الصلح، وبعد الإتفاق على بنود الصلح، لابد من كتابة بنود الصلح في كتاب يكون بينهما، فدعاء النبي الرسول الحق، صل الله عليه وسلم ، علي بن ابي طالب، وقال : أكتب ياعلي، باسمك اللهم،  فاعترض ـ سهيل بن عمرو ـ وقال: والله لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولكن أكتب ـ محمد بن عبد الله ـ فقال: النبي صل الله عليه وسلم، لعلي بن ابي طالب، امحها يا علي، فقال علي: والله لا أموحوها ابداً يا رسول الله، فقال النبي صل الله عليه وسلم : هاتها ياعلي فمحاها بيده الشريفة. إن هذه القاعدة التي اتبعها النبي صل الله عليه وسلم، في زمن المشاحنات، سهّلت له فتح مكة المكرمة، وحقن الدماء، وفتحت أبواب القلوب لأفراد آخرين في صف الكفار إلى الدخول في الإسلام!
فالعظمة تجعل من المحن منح أخرى، وتفتح الباب بمصراعيه على كافة الأصعدة، وتصل قناديل النور إلى القلوب المظلمة فتفتحها وترى النور الذي يريها الطريق القويم، فتسير دون خوف ...
فمن يحافظ على المشاحنات، لا ينتج عنها، إلا إغلاق باب الحوار، باب الإعتراف بالآخر ، باب المعرفة، باب الشفافية والنزاهة، التي يحبها الكل من أجل حياة كريمة.