يوم تأسيس المؤتمر عاد... فمن يعيد لنا صالح؟
في مثل هذا اليوم الرابع والعشرين من أغسطس للعام 1982م تأسس حزب المؤتمر الشعبي العام بقيادة الزعيم الراحل علي عبدالله صالح الذي أسس الحزب وانطوت تحته كل القوى والهيئات والاحزاب السياسية التي كانت تعمل في السر ومنها قوى اليسار التي كانت ضمن الجبهة الوطنية والحركة الاسلامية التي يمثلها الاخوان المسلمين..وباقي القوى السياسية التي صاغت معاً دليلاً للعمل السياسي وفق قواعد وطنيةً سمي الميثاق الوطني.. ليصبح المؤتمر بذلك المظلة التي أتاحت لكل القوى السياسية أن تمارس نشاطها السياسي وتعبر عن توجهاتها تحت إطار تنظيمٍ سياسيٍ رائد...
اليوم يعود إلينا يوم تأسيس المؤتمر الشعبي العام الذي تأسس في مثل هذا اليوم في الذكرى الثالثة والاربعين منذ تأسيسه ولكن من يعيد لنا الزعيم صالح الذي أسس الحزب وأسس كياناً كبيراً يستظل تحته أبناء اليمن وجعلها بلداً يحسب لها ألف حساب بين البلدان... بعد أن كانت بلداً مشطر وممزق وحدّها وجعلها كتلةً واحدة لكن اليوم نقابل ذلك بالنكران...
الزعيم صالح شاهد اليمن وهي تكبر أمامه،أجيالاً ومدناً وأحلاماً وتحديات سمع أجمل القصائد وأندر الحكايات تعرف على جوانب رائعة من نبوغ هذا الشعب استمع إلى الكثير من النصائح والدسائس وعبارات الحب ومعلقات النفاق عاصر الكثير من الرؤساء في العالم زار العديد من عواصم العالم..شارك في الكثير من القمم العربية والاسلامية والعالمية تقدم بالكثير من المبادرات..حصد إعجاباً كبيراً وصدم بخذلان كبير..تعرّف على الكثير من الشخصيات العربية والعالمية من كتّاب ومثقفين وعلماء وساسة ورجال أعمال..اطلع على كمّ هائل من الاسرار وعايش بشكل يومي كتابات وتحليلات له أو عليه.. إلى آخر ما هنالك من المعطيات الكثيفة التي تجعل من علي عبدالله صالح مستودعاً كبيراً للخبرة والحنكة وأرشيفاً هائلاً للأحداث والمتغيرات التي كان طرفاً فاعلاً فيها... صالح كان له قناعاته التي لايريد الافصاح عنها فهو بحسب ماشاهدناه يبغض التعصب الحزبي الأعمى كما يستخف بالتمترس المذهبي ويمقت الاصطفاف المناطقي في ذات الوقت الذي يؤمن فيه أن أولى الأولويات هي أن يمارس اليمني الحرية بلا حدود وأن يزاول الرفض بلا ترهيب والانضواء بلا ترغيب بمعنى أن يتخذ اليمني قراره وأن يتحمل تبعات هذا القرار ذلك أن ماحدث منذ قرون عديدة هو أن اليمني كان مسلوب الإرادة مهاناً مرعوباً لاتسكن فرائصه لكثرة جلادوه... لذلك سعى علي عبدالله صالح إلى تقوية عنفوان الشعب على حساب عنفوان الحكم وذلك أن الشعب بعد أن يغدو قوياً وجسوراً فإن من المستحيل أن يخدعه دجال أو يقهره غازٍ أو مستبد...
لهذا وبشيء من الإنصاف علينا أن نتأمل أن في عهد علي عبدالله صالح كل التيارات وجدت فرصتها، كل الأفكار وجدت مناخها في عهد علي عبدالله صالح ، الكل قال ما عنده والكل أخذ ما يريده وترك ما لا يريده ، انتعش الصدق والكذب ازدهرت النزاهة والفساد تجاسر الوطنيون وارتفعت أصوات الرويبضة وأخذت كل المشاريع حيزها من التنفيذ والمواطن يلحظ كل ذلك وله أن يستمع بهذا الحراك ويختار منه ما يريد..سيذكر التاريخ أن صالح لم يشأ أن تتوسع دائرة المدانين رغم توسع دائرة المخطئين أو دائرة الضالعين في الخطأ ولم يشأ أن تتوسع دائرة المقبوحين رغم تكاثر ما يمكن وصفه ب"الأعمال القبيحة" ويمكن إعتبار هذه الميزة لصالح كما يمكن اعتبارها مأخذاً عليه..يمكن اختصار نهجه في الحكم أنه كان يقول لمن اتّهم شخصاً آخر أثبت. ولمن نمّ صارح.ولمن اقترح نفِّذ.ولمن شكل.أشِر.ولمن تعب."غيّر جو"...كل هذه الصفات مضافاً إليها حنكة الرجل وتاريخه المليء بالمفاجآت قد رسخت منذ عقد على الأقل في أذهان الكثيرين سلبية قاتله فركن الكثيرون إلى قدراته في تجاوز المآزق وكفو عن مساعدته بل ورسمت له هذه الصفات صورة أخرى في أذهانهم في تصوره على أنه أيضاً ولا أحد غيره الوحيد القادر على أختلاق ألأزمات وإخمادها كذلك
وأخيراً أستشهد صالح وهو مدافعاً عن نفسه وأرضه وهو الذي يعرف في قاموس العرف القبلي الشرف يقتضي أن يموت الشيخ مدافعاً عن مكانته مهما كانت الكلفه..كانت تلك هي اللحظة التي خلع فيها عن نفسه آخر أثواب الرئيس ليموت كما عاش شيخاً عنيداً في معركته الأخيرة مع قبيلته التي لم يفهمها ولم تفهمه إلا بلغة القوة...الخسارة الكبيرة أننا خسرنا صالح وخسرنا معه اليمن كدولة وإعادة بناءها سيحتاج محو جيلاً كامل وربما أكثر..