أبو زرعة المحرمي.. قائد صنع المجد وبصم ببطولاته تاريخ الجنوب
لا يسع المتأمل في مسيرة الجنوب الحديثة إلا أن تقف نفسه إجلالًا أمام قامة عسكرية شامخة، وقائد استثنائي طبعت بصماته منعطفات التاريخ بأحرف من نور. إنه الرجل الذي تجسدت فيه معاني الثبات والوفاء، فأصبح أسطورة تُحكى، ونموذجًا يُحتذى؛ القائد اللواء أبو زرعة المحرمي.
لم أتقاطع مع مسيرة هذا القائد عن قرب، لكني قرأت سيرته العطرة من خلال مواقفه المشرفة، فتولد لدي شعور داخلي عميق بنباهته وحنكته، إنه القائد الضرغام الذي برهن للجميع، بما لا يدع مجالًا لأدنى شك، أنه الرجل العسكري الصلب الذي لا يساوم على حق الوطن، ولا يتنازل عن شبر من ترابه الطاهر أو يفرط في مكتسباته.
عرفه أبناء الجنوب، كبيرهم وصغيرهم، بشجاعته النادرة وثباته المعهود منذ أن اضطلع بالمهمة التاريخية الجليلة، فقاد ببسالة مسيرة التحرير انطلاقًا من العاصمة عدن، مرورًا بمعركة باب المندب المصيرية، ثم إلى المخا، وصولًا إلى مشارف الحديدة. لقد كان بكل جدارة قائد ألوية العمالقة في حربها الضروس ضد المليشيات الحوثية الغازية، فقاد بجسارة معارك استبسال اجتازت كل الصعاب وحققت انتصارات مبهرة سُجلت له بحروف من ذهب في سجلات التاريخ.
ولم يكن بطولته مقصورة على ساحة القتال فحسب، بل امتد عطاؤه ليشمل الجانبين الإنساني والمجتمعي، فتكللت جهوده بإقامة عدد من المشاريع التنموية الحيوية، بدعم من الأشقاء في دولة الإمارات العربية المتحدة، شملت القطاع الصحي والتعليمي ومشاريع المياه والطرقات. هذه الإنجازات التي سُجلت في سجله النضالي الحافل، لتضيف إلى رصيده العسكري المثير للإعجاب بُعدًا آخر، هو بُعد الإنسان الذي يعمر ما دمرته الحرب.
والحديث عن هذه القامة العسكرية الشامخة، هو حديث عن والد الشهيد الذي ضرب أروع أمثلة التضحية، فقدم فلذة كبده قربانًا للوطن. وهو الابن البار الذي خرج من رحم أسرة نضالية مثالية، تذخر بسجل ناصع من الشهداء والخالدين، على رأسهم ذلك الفارس المغوار اللواء الشهيد أحمد سيف اليافعي، الذي أسس مدرسة عسكرية فريدة تخرج منها قادة كبار، وورثوا عنه قيم البطولة والوفاء.
إنه من واجبنا المهني والأخلاقي أن نُعطي كل ذي حق حقه، وأن نسلط الضوء على من قدموا الغالي والنفيس من أجل هذا الوطن وأبنائه الشرفاء. والقائد الذي يقترب من هموم شعبه ويشاركهم آلامهم وآمالهم، هو قائد أحبه الله فوضعه في قلوب الناس، فكان بحق قدر المسؤولية، وترجمانًا حقيقيًا لطموحات أبناء الجنوب، مجسدًا بصمات خالدة تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل.
فـ سير يا أخي القائد، وعين الله ترعاك، فطريق العظماء محفوف بالمخاطر، لكنه طريق الشرفاء. إن العظماء لا تخلدهم الألقاب، بل تخلدهم مواقفهم ومآثرهم. طريقنا طويل وشاق، وهو بحاجة إلى صبركم وصمودكم وعملكم الدؤوب، فبكم تقوى عزائمنا، وبصبركم نشدُّ الخطى، حتى نلتقي في النهاية على نفس الطريق الذي سلكه الشهداء، لتحقيق الحلم المنشود: استعادة دولة الجنوب على كامل ترابها الطاهر.