قراءة سياسية في موقف البنك المركزي

لم يكن موقف البنك المركزي اليمني سلبيًا كما يحاول البعض تصويره، بل على العكس، فإن صمته خلال الأيام الماضية كان يحمل في طياته دلالات إيجابية، جاءت لتؤكد أن قرارات المؤسسة النقدية لم تعد ارتجالية، وإنما تصدر وفق معطيات دقيقة وحسابات مدروسة.

الإيجابية الأولى لموقف البنك تكمن في أنه دفع المواطنين وشركات الصرافة إلى إدراك أن قواعد اللعبة تغيّرت، وأن زمام المبادرة لم يعد مبعثرًا كما في السابق، بل أصبح بيد جهة واحدة مسؤولة هي البنك المركزي، الذي يثبت اليوم أنه صاحب القرار الفصل، وأن توجيهاته باتت حاسمة لا تقبل المساومة.

هذا الموقف الصارم، في جوهره، رسالة واضحة للجهات التي اعتادت استغلال تقلبات السوق أو بناء تصوراتها على نظريات المؤامرة والتكسب السريع على حساب الوطن. فاليوم لم يعد بمقدور أي طرف التأثير على قرارات البنك المركزي أو توجيهها، كما كان يحدث في مراحل سابقة. إنها بداية استعادة الهيبة المؤسسية وتعزيز مكانة القرار النقدي.

كما أن تصريحات البنك بشأن عمليات الصرف الأخيرة حملت بعدًا توضيحيًا مهمًا؛ إذ أوضحت أن ما جرى كان قائمًا على رضا وقبول الطرفين – المواطن والصراف – دون إجبار. وفي الوقت نفسه شدد البنك على أنه سبق ومنح شركات الصرافة مساحة من الحرية بشرط الالتزام بتسعيرته الرسمية، وأن أي مخالفة لذلك ستقابل بإجراءات قانونية صارمة.

ومن خلال قراره بحصر صرف العملة الصعبة عبر لجنة الاستيراد، أعاد البنك المركزي التأكيد على أن موارد البلاد المالية لن تكون ساحة للفوضى أو التلاعب. فإما أن تُدار وفق الأطر الرسمية، أو أن يُعرّض المخالفون أنفسهم للمساءلة.

الخلاصة أن ما حدث لم يكن سوى محاولة جديدة للنيل من مكانة البنك المركزي والتشكيك في خطواته، غير أن النتيجة جاءت عكسية. فالمؤسسة النقدية أظهرت يقظة وحنكة، وردّت على خصومها بضربة مرتدة حولت التحدي إلى فرصة. واليوم يمكن القول إن البنك المركزي خرج من دائرة الضعف والارتباك، ليؤكد أنه أكثر قوة وصلابة من أي وقت مضى، يسير بخطى واثقة ومدروسة، ويبعث برسالة طمأنة للمواطنين بأن مستقبل العملة الوطنية سيكون أكثر استقرارًا.