المولد النبوي.. مناسبة تطغي فيها الزينة على السيرة
في هذا اليوم حين تتفتح الأرواح على ذكرى مولد من أضاء ظلمات البشرية وبدّد عُرى الجاهلية محمد صلى الله عليه وسلم، ينهض القلب من غفلته وتصحو الروح من سكرتها، فيتفقد الإنسان ذاته، خُلقه ، عمله، نواياه، وسرائره، قبل أن يلتفت إلى بُهرج الزينة وطقوس الاحتفالات، إنه يوم لا يشبه الأيام، يوم تتنفس فيه الأرض الرحمة المهداة وتغتسل فيه القلوب من أدرانها بمعين الهدى المحمدي وتعود إلى أصلها الطيب إلى ذلك النور الذي انبثق من مكة ليهدي العالمين.
واليوم في مناطق سيطرة جماعة الحوثي لم يعد لهذا اليوم طعمه ولا لرائحته عبق النبوة، صار الناس يترقبونه بحذر ويحسبون له حسابا عسيرا، فهم في انتظار موعد للجباية، ويعلنون فيه حالة طوارئ، لم يعد هذا اليوم مناسبة دينية أو يوما للفرح، بل يومًا للقلق، يومًا تُفرض فيه الزينة فرضا وبالقوة، وتُجبر فيه الأسر على شراء الغمازات الخضراء، حتى لو لم يكن في بيتها ما يسد رمق طفلٍ جائع، تُطلى المساجد باللون الأخضر لا حبًا في النبي الحبيب عليه الصلاة والسلام بل طاعةً لأمرٍ صادر من سلطة لا تعرف من سيرته إلا لون معطفه، أو ما يخدم مشروعها الظلامي .
في تلك المناطق يُحتفل بالمولد النبوي، لا بذكره صلى الله عليه وسلم بل بتمجيد السلالة وترديد الشعارات وتكريس الطقوس التي تتناسب معتقداتها، ويُمحى ذكر الصحابة وتُغيب سنته وسيرته العطرة ويُستبدل الحديث عن رحمته وعدله وتواضعه بأناشيد وزوامل تمجد القوة وتعلي من شأن الطاعة العمياء ، يُجبر الناس على حضور الفعاليات، ويُهدد من يتخلف ويُتهم من يعترض بأنه عدوٌ للدين ولآل البيت، رغم أن الدين وآل البيت منهم براء.
عذرًا يا رسول الله فقد احتفلوا بك دون أن يتشرفوا بذكرك، ورفعوا اسمك دون أن يتبعوك وزينوا جدران المنازل لكنهم نسوا أن يزينوا قلوبهم بضياء سيرتك ونور هدايتك ، عذرًا رسول الله فقد محوا سيرتك من المناهج ومن المنابر ومن الوجدان وأحيوا يوم مولدك بالحفلات والأضواء لا بالرحمة ولا بالمحبة والولاء لك ولا بالخلق الحسن ، عذرًا فقد صار يوم ميلادك مناسبةً للجباية لا للهداية وصار ذكرك شعارًا يُرفع لا سلوكًا يُتبع.
لكننا نعلم يا رسول الله أن نورك لا يُطفأ بزينةٍ زائفة وسيرتك لن تُمحى بسلطةٍ متعجرفة ، ستبقى في القلوب التي تعرفك في الأرواح التي تهتدي بك نورا مبينا لكل من يهمس في صلاته "اللهم صلِّ على محمد" وهو يعلم أن الصلاة عليك ليست كلمات بل حياة تُعاش على درب هدايتك
وفي الختام ..عليك منا الصلاة والسلام.


