الابتعاث مهم لكن إنقاذ الجامعات اولى.
شهدنا مؤخرا إعلان ابتعاث 100 طالب للدراسة في دولة الإمارات العربية المتحدة، واعتبر هذا الخطوة كحجر أساس لانتشال الوطن من براثن الجهل. ورغم أهمية الابتعاث الخارجي وأثره الإيجابي في اكتساب الخبرات والانفتاح على التجارب العالمية، إلا أن اختزال النهوض التعليمي في مجرد إرسال بضع مئات من الطلاب إلى الخارج هو نظرة قاصرة لا ترقى إلى مستوى التحديات التي نواجهها في التعليم العالي.
إن الرهان الحقيقي لا يكمن في ابتعاث محدود لأعداد قليلة من الطلاب بل في إعادة الاعتبار للجامعات الوطنية التي تضم عشرات الآلاف من الطلاب وتواجه اليوم ظروفا قاسية من التهميش وضعف التمويل وغياب الاستراتيجية. وعلى رأس هذه الجامعات، تأتي جامعة عدن، التي تأسست في العام 1970، والتي أثبتت قدرتها عبر العقود على تخريج كفاءات مشهود لها في مختلف المجالات رغم شح الإمكانات.
لو حظيت هذه الجامعات الوطنية بدعم حقيقي، من خلال زيادة الميزانيات المخصصة لها، وتشجيع البحث العلمي، وتأهيل كوادرها، ومكافحة الغش الأكاديمي، فإنها ستكون قادرة على تخريج الآلاف من الشباب المؤهلين سنويا، ممن يعرفون بيئتهم، ويتصلون بجذور مجتمعهم، ولديهم الدافع الأصيل لخدمة وطنهم.
إن النهوض بالتعليم العالي الوطني ليس ترفا، بل ضرورة ملحة في ظل التحديات التنموية والأمنية التي تعصف بالبلاد. ولا يمكن الحديث عن تنمية حقيقية دون قاعدة علمية راسخة، وقوى بشرية مدربة ومؤهلة قادرة على التغيير.
نأمل أن تعيد الدولة والجهات المعنية بوصلة الاهتمام إلى الداخل، إلى الجامعات والمعاهد الوطنية، فهناك يبدأ التغيير، وهناك تصنع النهضة. أما الابتعاث، فيجب أن ينظر إليه كعامل مساعد، لا بديلًا عن إصلاح الجذور.