اغتالوا الخدمات فقتلوا الكرامة

في وضح النهار، ودون أي ذنب إلا أنها حملت هم النظافة، اغتيلت الأستاذة افتهان المشهري مديرة صندوق النظافة والتحسين في محافظة تعز، برصاصٍ غادر أطلقه مسلحون مجهولون في حي جولة سنان. عشرين طلقة أو أكثر، خنقت صوت المرأة التي لم تطلب إلا أن ترى مدينتها نظيفة، أهلها مطمئنين، أطفالها لا يجري خلفهم خطر المرض بسبب تراكم الأزبال، ولا يختنقون من روائح الأوساخ.

مقتل أفتهان مشهري ليس حادثا عابرا بل إنه إعلان موت لخط أحمر: موت الأمان المدني، موت المواطنة، موت الكفاءات التي كانت تبني رغم الخراب حولها.
المرأة التي جاءت خلفا لمديرٍ استعصى تغييره لأنه كان عنوانا للفساد الذي عاث داخل صندوق النظافة، حملت شعار الأمانة والعمل، وتحدت بشجاعة التحدي. 

حملت حقيبة الآمال على ظهرها، وأعطت نورا لكل شارع، لكل رصيف، لأطفال يمشون في أقدامهم، وأمهات ينتظرن أن يزال القمامة ليعاد وجه المدينة.
لكن من الذي يخاف من امرأة تنظف الطرقات؟ من الذي ينزعج من امرأة تدير صندوقا العام أمانة؟ لماذا قتلت؟ لعل الإجابة تكمن في أن في نجاحها خطرا على الفاسدين، وفرصة للأمل يمكن أن تنبت فيها أوراق المحاسبة.
لماذا نرتجف من هذه الجريمة أكثر؟ لأنها ليست ضد شخص واحد، بل ضد فكرة أن يكون هناك من يخدم بلا ظهرٍ مسلح، بلا حماية فوق الحماية الشخصية، أن يخدم دون أن يخاف.  
لأنها رسالة إلى كل كفاءة إذا كنت فعالة، إذا كنت ترى الوطن بلا لون سياسي، فمصيرك الرصاص إن اقتربت من الخطوط الحقيقية.

نعم أفتهان المشهري لم تزرع الأشجار فقط في الشوارع، بل زرعت الأمل. لكنها لم تنم كما كان يجب أن تنام كل النساء: آمنة. اغتالوها، لكن لا يمكنهم اغتيال الحقيقة.