الدولة الحديثة عنوان للعدالة والحياة الكريمة!!
الحياة الكريمة التي ينشدها الجميع، من مستوى معيشي جيد، وتوفر للعدل والمساواة، واستتباب للأمن وشعور بالاطمئنان، والتطلع لغد مشرق، أمور توفرها لك الدولة منذ أن توجد على ظهر البلد. فالكرامة لا تتحقق من خلال مغادرتك لوطنك تجوب فيه أرجاء الدنيا بحثا عن الحياة المطمئنة، ولا من خلال تكوين العصابات وممارسة أعمال الفوضى والعنف، ولا من خلال السطو على حقوق الضعفاء، والاستحواذ على مصالح الغير، ولكن يتحقق ذلك كله من خلال وجود الدولة العادلة، التي في غيابها يحل الضياع وتغيب الحياة الكريمة.
إذا شئنا أن نعيش وأجيالنا القادمة بكرامة، علينا ان نعي أهمية وجود الدولة، وإن نساهم بفاعلية في صنع هذه المعجزة البشرية.
فمن يرفض قيام الدولة إذن؟..
لا تقوم الدولة بمفهومها الحديث والواسع إلا من خلال التخلص من العصبوية بمختلف صورها ومظاهرها (عرقية، وجهوية، وقبلية، ومذهبية،..الخ)، التي تقف حائلا أمام قيام دولة عادلة ومستقلة ومزدهرة، تتمتع بالاستقرار والديمومة.
تعارض الجماعات والتيارات المتعصبة وبقوة قيام دولة حديثة، كون هذا الأمر لا ينسجم مع مصالحها الضيقة، القائمة على الهيمنة على البلد بقوة السلاح، وتعميق النظام الطبقي، ومنح امتيازات ونفوذ للبعض دون الآخر.
من تشرب من ثقافة القهر والصهر للآخر، لا يمكن ان يقبل بالتنوع الإثني، في بلدان لا تتسم عادة بالتجانس الفكري والثقافي، حيث يساهم الاستبداد في زيادة حدة الغليان في عمق المجتمع، مهددا بنيته الأساسية، في زمن بات الجميع مطالب بزرع ثقافة قبول الاختلاف، والعمل وفق أجندة توافقية مناقضة لما يزرعه ويرعاه الاستبداد من فرقة وتشتت.
الدولة التقليدية سمة بارزة لنظم الحكم في كثير من بلدان العالم الثالث، الساعية لبسط قبضتها وتكريس مظاهر الجهل والتخلف في أوطانها لضمان التبعية المطلقة لشعوبها، لكنها في ذات الحال دول مهددة عادة بالفشل والسقوط، من خلال انقلابات وصراعات دموية على السلطة، واندلاع حركات تمرد داخلية، فالمؤامرات الخارجية قد تجد طريقا معبدا تسلكه نحو هذا الداخل، ما يعني الحكم مقدما علئ مستقبل هذه الدولة بالتفتت والضياع، ولنا أمثلة في هذا السياق علئ امتداد العصور الماضية، حيث تقام دول على أنقاض أخرى أفلت في لمح البصر، في حين يتمدد نفوذ البعض منها، وينكمش نفوذ أخرى.