القيم بين الأنانية والمسؤولية.. دور البنوك والشركات والتجار في بناء الأوطان
في زمن تتسارع فيه الأحداث الاقتصادية، وتتغير فيه أسواق المال والأعمال بوتيرة متلاحقة، تظل القيم هي البوصلة التي تميز بين من يعمل لأجل ذاته فقط، ومن يسخّر قدراته وإمكاناته لأجل مجتمعه ووطنه.
الفرق الجوهري: بين من يعمل لنفسه ومن يعمل لوطنه
ليس من الخطأ أن يسعى الإنسان أو المؤسسة لتحقيق الربح، فهذا من صميم العمل الاقتصادي، لكن الخطر الحقيقي يكمن حين يُختزل النشاط التجاري أو البنكي أو الصناعي في جشع أناني لا يرى إلا المكسب السريع، ولو على حساب الوطن، والمواطن، والقيم.
فبعض الشركات والتجار والبنوك باتوا لا يرون في الناس إلا مصدر دخل، وفي الأزمات فرصاً للاستغلال، وفي الفقر سوقاً للمضاربة، يرفعون الأسعار دون مبرر، ويضاربون في الغذاء والدواء، ويهربون الأموال للخارج، ويتهربون من الضرائب، وكأنهم يعيشون في جزيرة معزولة لا علاقة لها بمصير الوطن وأهله.
النموذج المسؤول
في المقابل، هناك من يرى في التجارة والاقتصاد رسالة سامية، وسيلة لبناء وطن، لا لهدمه. هؤلاء يدركون أن الربح الحقيقي لا يُقاس فقط بالأرقام، بل بما يُحدثه من أثر في حياة الناس، بما يخلّفه من أثر طيب في المجتمع، وبما يضيفه من استقرار وتنمية.
نماذج مشرّفة
من التجارب التي تستحق أن تُذكر وتُكرّم، ما تقوم به مجموعة هائل سعيد أنعم، التي تُعد نموذجاً يُحتذى به في الاقتصاد الوطني المسؤول، فهذه المجموعة لم تكن مجرد شركة تبحث عن الربح، بل كانت وما تزال، شريكاً فعلياً في بناء المجتمع، وتوفير فرص العمل، ودعم وبناء الجامعات، ومساندة المواطنين في الجائحات و الأزمات، سواء عبر المبادرات المجتمعية أو الإغاثية، أو من خلال دعم التعليم والصحة والرياضة، كذلك فإن بنك التضامن، يُعد نموذجاً متميزاً في القطاع المصرفي، حيث لا يكتفي بتقديم الخدمات المصرفية المالية، بل يحرص على دعم المشاريع الصغيرة لتنمية المجتمع في خلق فرص عمل كي تدور عجلة التنمية، ويقف مع المواطنين في الظروف الصعبة والعرضية، ويساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني بروح من الالتزام والمسؤولية، وقد لمست هذا عن قرب من خلال عملي معهم في مراحل سابقة، فشاهدت كيف يمكن للبنك أن يكون جزءاً من الحل، لا عبئاً على المواطن.
رسالة إلى للجميع
إلى التاجر: تذكّر أن قوتك الحقيقية في ثقة الناس بك، وأن الربح الحلال لا يُبنى على ألم الناس واستغلالهم.
إلى رجل الأعمال: لديك القدرة أن تصنع الفارق، فكن في المقدمة حين يحتاجك الوطن.
إلى أصحاب الشركات: بيئتكم الاجتماعية هي أساس استقرار أعمالكم، فاستثمروا فيها كما تستثمرون في مصانعكم ومصالحكم.
إلى المواطن العادي: اختر من تتعامل معه بناءً على القيم، لا السعر فقط.
إلى الشباب والطلاب: هذه النماذج تُثبت أن الاقتصاد يمكن أن يكون أخلاقياً، وأن العمل لا يتعارض مع القيم، بل يعززها.
وختاماً الاقتصاد الذي نريد
إننا لا نحتاج فقط إلى مؤسسات ناجحة، بل إلى مؤسسات مؤمنة بقيمها، تُدير أعمالها بروح من الوطنية والضمير، اقتصادنا لا ينهض بالأموال فقط، بل بالقلوب المؤمنة برسالة العطاء، والعقول التي ترى في كل عمل وسيلة لبناء الوطن، وما أحوجنا اليوم في ظل ما تمر به بلداننا من تحديات إلى أن تنتشر مثل هذه النماذج وتُحتذى ويُحتفى بها، حتى تصبح القاعدة، لا الاستثناء.
ودمتم والوطن بخير وأمان واستقرار
خبير مصرفي