د.سالي فودة: مستقبل الاقتصاد الأخضر يبدأ من خفض بصمتنا الكربونية
(أبين الآن) متابعات
يشهد العالم اليوم تحديات بيئية غير مسبوقة، يأتي على رأسها الاحترار العالمي الناتج عن تراكم غازات الاحتباس الحراري، وعلى رأسها ثاني أكسيد الكربون (CO₂). وقد أصبحت البصمة الكربونية مؤشرًا عالميًا يقيس حجم الانبعاثات الكربونية الناتجة عن الأنشطة البشرية والصناعية، لتكون أداة تقييم أساسية في قياس أثر المجتمعات والأفراد على المناخ.
هنا يبرز الدور الحيوي للتقنيات الحديثة في الهندسة الزراعية والحيوية كأداة علمية وتطبيقية لخفض هذه البصمة وتقليل الآثار السلبية للاحتباس الحراري.
البصمة الكربونية: المفهوم والأهمية
التعريف: البصمة الكربونية هي كمية الغازات الدفيئة، خصوصًا CO₂ وCH₄ وN₂O، الناتجة عن الأنشطة الزراعية والصناعية والاستهلاكية.
الأهمية: أصبحت عاملًا رئيسيًا في وضع السياسات البيئية، حيث تعتمد عليها الدول لتقييم مدى التزامها باتفاقيات المناخ (مثل اتفاقية باريس 2015).
التحدي: ارتفاع البصمة الكربونية يؤدي إلى زيادة معدلات الاحترار العالمي وما يصاحبه من تغيرات مناخية حادة.
الاحترار العالمي وتأثيراته
ارتفاع درجات الحرارة: أدّى إلى ذوبان الجليد في القطبين وارتفاع مستوى سطح البحر.
الأمن الغذائي: تراجع الإنتاج الزراعي في كثير من المناطق نتيجة موجات الجفاف والتصحر.
الصحة العامة: زيادة الأمراض المرتبطة بالمناخ مثل ضربات الشمس وانتشار الأمراض المعدية.
كل هذه التغيرات تضع ضغطًا على النظم البيئية والاقتصادات الوطنية، وتبرز الحاجة إلى حلول مبتكرة.
دور الهندسة الحيوية في خفض البصمة الكربونية
الهندسة الزراعية والحيوية توفر تقنيات متعددة لمواجهة الاحترار العالمي، أبرزها:
1. المحاصيل المعدلة وراثيًا (GMOs):
تحسين كفاءة استخدام المياه والمواد الغذائية.
زيادة قدرة النباتات على امتصاص الكربون وتثبيته في التربة.
2. الميكروبات النافعة والهندسة الميكروبية:
تطوير سلالات ميكروبية قادرة على تحليل المخلفات الزراعية وتحويلها إلى منتجات حيوية صديقة للبيئة (كالبيوغاز والبايوتشـار).
الحد من انبعاثات الميثان وأكسيد النيتروز من التربة.
3. إنتاج الوقود الحيوي (Biofuels):
تحويل الكتلة الحيوية إلى بدائل نظيفة للبترول والغاز الطبيعي.
تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري المسبب الأكبر للبصمة الكربونية.
4. الهندسة الحيوية للتربة والنبات:
تعزيز قدرة التربة على الاحتفاظ بالكربون (Carbon Sequestration).
إنتاج نباتات ذات جذور عميقة تعمل كخزان كربوني طويل الأمد.
الربط بين المحاور الثلاثة
البصمة الكربونية تمثل المشكلة (القياس الكمي للتأثير السلبي).
الاحترار العالمي هو النتيجة المباشرة لتراكم هذه الانبعاثات.
الهندسة الحيوية تقدم الحلول التطبيقية لخفض الانبعاثات وتطوير أنظمة زراعية وصناعية أكثر استدامة.
من ثم، يُمكن القول إن الهندسة الحيوية تمثل “الجسر العلمي” بين التشخيص (البصمة الكربونية) والنتائج (الاحترار العالمي).
الخاتمة
يمثل التلاقي بين الهندسة الحيوية والوعي بالبصمة الكربونية أملًا حقيقيًا في مواجهة الاحترار العالمي. فبفضل الابتكارات في التكنولوجيا الحيوية يمكن للعالم أن يتجه نحو اقتصاد أخضر يقلل من الانبعاثات ويحافظ على التوازن البيئي.
إن تبني هذه الحلول ليس خيارًا، بل ضرورة لضمان مستقبل أكثر أمانًا للأجيال القادمة.


