د.منال خيري: كيف يسهم الذكاء الاصطناعي في زيادة الناتج المحلي العالمي بـ15.7 تريليون دولار؟

د.منال خيري: كيف يسهم الذكاء الاصطناعي في زيادة الناتج المحلي العالمي بـ15.7 تريليون دولار؟

(أبين الآن) د. منال خيري

يتطور الذكاء الاصطناعي بوتيرة سريعة، مدفوعًا بابتكارات التعلم الآلي والحوسبة، إلى جانب النمو المتسارع للبيانات، مما يُغيّر باستمرار من إمكاناته واستخداماته.

ومع التوسع المستمر في تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي، تشير التقديرات إلى مكاسب اقتصادية كبيرة محتملة قد يُحققها هذا القطاع.

وتؤكد بعض الدراسات أن الذكاء الاصطناعي من المتوقع أن يسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة تصل إلى 14% بحلول عام 2030، أي ما يعادل 15.7 تريليون دولار إضافية.

ومن المتوقع أن يأتي نحو 6.6 تريليونات دولار من هذا المبلغ من زيادة الإنتاجية، بينما يأتي 9.1 تريليونات دولار من تأثيره على استهلاك المستهلكين، مما يجعله فرصة كبرى لتعزيز الاقتصاد العالمي سريع التغيّر.

مقالات ذات صلة

د.فوزي يونس Dr.Fawzy Younis

د.فوزي يونس: من الشكوك إلى التريليونات.. كيف يستعد سوق أرصدة الكربون للانطلاق الكبير؟

06/10/2025

عاطف معتمد

د.عاطف معتمد: السادات والجغرافيا .. عبقرية الحرب وسط جدل السياسة المصرية

06/10/2025

محددات تأثير الذكاء الاصطناعي على النمو الاقتصادي

تشير التقديرات إلى أن تأثير الذكاء الاصطناعي لن يكون مؤقتًا أو محدودًا، بل يمثل تحولًا هيكليًا واسع النطاق قادرًا على إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي على مدى العقود القادمة.

وهناك عدة محركات رئيسة لهذا الأثر الاقتصادي، من أبرزها:

تحسين الإنتاجية: من خلال أتمتة العمليات باستخدام الروبوتات والمركبات ذاتية القيادة، إضافة إلى تعزيز قدرات القوى العاملة البشرية عبر الأنظمة الذكية.

زيادة الطلب الاستهلاكي: نتيجة توافر منتجات وخدمات ذات جودة أعلى وأكثر تخصيصًا بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي.

الابتكار في المنتجات: إذ سيتزايد أثر ابتكار منتجات جديدة مدعومة بالذكاء الاصطناعي على حساب المكاسب الناتجة فقط عن تحسين الكفاءة.

في البداية، سيُمثل تحسين الإنتاجية المصدر الأكبر للمكاسب الاقتصادية، خصوصًا في القطاعات كثيفة رأس المال مثل التصنيع والنقل، حيث تسهم الأتمتة في خفض التكاليف وتسريع العمليات.

ومن المتوقع أن تمثل هذه التحسينات أكثر من 55% من إجمالي المكاسب في الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة بين 2017 و2030.

ومع مرور الوقت، ستتحول الكفة لصالح الاستهلاك، ليأتي نحو 58% من المكاسب المتوقعة عام 2030 من الطلب الاستهلاكي المتزايد على المنتجات والخدمات المحسنة بالذكاء الاصطناعي.

وتؤكد الدراسات على إمكانات الذكاء الاصطناعي في تعزيز الإنتاجية، مع اختلاف آثاره باختلاف المهام والظروف. ويمكن قياس الإنتاجية من خلال إنتاجية العمالة (الناتج لكل عامل أو لكل ساعة عمل)، وإنتاجية عوامل الإنتاج الإجمالية (كفاءة استخدام العمالة ورأس المال والمواد).

فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسة على موظفي خدمة العملاء أن استخدام الذكاء الاصطناعي أسهم في زيادة الإنتاجية بنسبة 15% في المتوسط، مع تحسن أداء الموظفين الأقل خبرة من حيث السرعة والجودة.

تطبيقات الذكاء الاصطناعي في القطاعات الاقتصادية المختلفة

أولًا: قطاع الزراعة

برزت تطبيقات واسعة للذكاء الاصطناعي في الممارسات الزراعية الحديثة، تشمل إدارة التربة والمحاصيل، وإنتاج البذور الهجينة، وتطوير أصناف جديدة، وتسويق المحاصيل عبر التطبيقات، إضافة إلى شبكات تسعير ذكية وإدارة فعالة لأنظمة الري.

كما أسهمت حلول التسميد والمبيدات القائمة على الذكاء الاصطناعي في تحسين الكفاءة وتقليل استخدام المدخلات الزراعية.

وأحدثت الطائرات المسيّرة الذكية ثورة في الزراعة، حيث تُستخدم في التخفيف من آثار الطقس غير المواتي، وزيادة الإنتاج، وتحسين جودة المحاصيل. وتُقدر قيمة السوق العالمية للحلول القائمة على الطائرات بدون طيار بنحو 127.3 مليار دولار، منها 32.4 مليار دولار مخصصة للزراعة.

وتُستخدم الروبوتات الزراعية عبر تقنيات الزراعة الدقيقة (Precision Farming) التي تعتمد على أنظمة التموضع عالية الدقة، والاستشعار عن بُعد، والخرائط الجيولوجية، بما يتيح تقدير أوقات الزراعة والحصاد المثلى، وإدارة المياه والمغذيات ومكافحة الآفات بكفاءة.

شهدت الأدوات الزراعية، خاصة الجرارات الذكية، تطورًا كبيرًا بفضل الذكاء الاصطناعي، مثل:

جرار Monarch MK-V الكهربائي القابل للتشغيل الذاتي والمجهز بأنظمة تعلم عميق.

جرار Yanmar e-X1 القابل للتحكم عن بُعد في البيئات القاسية.

جرار John Deere الكهربائي المستقل المنتظر إطلاقه في أستراليا عام 2026.

وساعدت هذه التقنيات في رفع غلات المحاصيل بنسبة 20–30%، وخفض استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 25%. ومن المتوقع أن ينمو سوق الذكاء الاصطناعي في الزراعة بمعدل نمو سنوي مركب يقارب 25% بين عامي 2023 و2030.

ومع ذلك، يبقى من الضروري جعل تطبيقات الذكاء الاصطناعي الزراعية أكثر جدوى تجارية عبر إتاحة الحلول مفتوحة المصدر لتقليل التكلفة وزيادة تبنيها.

ثانيًا: قطاع التصنيع

يواجه التصنيع تحديات متزايدة تتعلق بالتعقيد والتغير المستمر، إلا أن تقنيات البيانات الضخمة والحوسبة السحابية والتعلم العميق أحدثت تحولًا جذريًا في أساليب العمل الصناعي.

يُستخدم الذكاء الاصطناعي اليوم لتحسين العمليات الصناعية، وخفض التكاليف، وزيادة جودة المنتجات. كما تتيح الخوارزميات التنبؤية تحديد الأعطال قبل وقوعها، سواء في الصناعات البحرية أو السيارات أو الأدوية.

وتُستخدم تقنية أتمتة العمليات الروبوتية (RPA)، لتنفيذ المهام المتكررة مثل حفظ السجلات أو الرد على الاستفسارات، مما يقلل العبء عن العمال.

وبذلك، أسهم الذكاء الاصطناعي في تطوير أنظمة تصنيع أكثر دقة وكفاءة ومرونة، مع تعزيز الصيانة التنبؤية وتبني الأتمتة الذكية، إيذانًا بعصر جديد من الابتكار الصناعي.

ثالثًا: قطاع الاتصالات

يُعد قطاع الاتصالات من أوائل القطاعات التي تبنت تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بدءًا من تشخيص المعدات المعقدة إلى إدارة الشبكات وتحليل حركة البيانات.

تُستخدم الخوارزميات الذكية لتصميم الشبكات، وتقليل التكاليف، وتحسين الأمان، وكشف الهجمات السيبرانية مثل DDOS عبر تصفية الحزم الضارة.

كما تُستخدم الطائرات المسيّرة المدعمة بالذكاء الاصطناعي مثل (Avy Aera 3 VTOL) و(Skeyetech by Azur Drones) في المراقبة والأمن، لتوفير صور عالية الدقة في الزمن الفعلي.

ويظل قطاع الاتصالات في طليعة القطاعات الأكثر استفادة من الذكاء الاصطناعي، سواء في خدمة العملاء أو إدارة الشبكات أو تعزيز الأمن السيبراني.

رابعًا: قطاع التسويق

يُحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في عالم التسويق عبر تحسين تجارب العملاء وتخصيص المحتوى والإعلانات.

فعلى سبيل المثال، تعتمد منصة نتفليكس (Netflix) على تقنيات تنبؤية لتحليل البيانات وتقديم توصيات مخصصة للمستخدمين.

كما تقدم شركات مثل CamFind تطبيقات تتيح للمستهلك شراء منتج بمجرد التقاط صورته، وهو ما يمثل نقلة نوعية في التسوق الإلكتروني.

وبذلك، يُعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل استراتيجيات التسويق، ويغير طريقة تفاعل الشركات مع المستهلكين حول العالم.

خامسًا: قطاع النقل

يشهد قطاع النقل تحولات كبيرة بفضل الذكاء الاصطناعي، الذي يُستخدم في إدارة حركة المرور وتخطيط الطرق باستخدام الشبكات العصبية الاصطناعية (ANN) والخوارزميات الجينية (GA) والمنطق الضبابي (Fuzzy Logic).

تسهم هذه النماذج في التنبؤ بالازدحام، وتخطيط مسارات النقل، وجدولة الشحنات بكفاءة عالية.

ويُعد نموذج المدينة الذكية (Intelligent City) أبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي في النقل الحضري، إذ يجمع بين تقنيات المعلومات والاتصالات والحلول السحابية لتقليل التكاليف وتحسين جودة الحياة.

سادسًا: القطاع المالي

يلعب الذكاء الاصطناعي، وخاصة الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI)، دورًا محوريًا في تعزيز الكفاءة والإنتاجية داخل المؤسسات المالية.

فقد أصبحت نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) قادرة على تحليل وثائق مالية معقدة مثل تقارير الأرباح أو عقود السندات بسرعة كبيرة.

تستخدم الشركات الكبرى مثل فانجارد (Vanguard) وبلاك روك (BlackRock) أدوات ذكاء اصطناعي لإدارة الحسابات وتقديم الاستشارات وتنفيذ المعاملات.

فقد طورت “بلاك روك” محللها الذكي أسيموف (Asimov) لتحليل البيانات والتقارير، فيما تعتمد “فانجارد” على روبوتات دردشة ذكية تخدم العملاء بعد ساعات العمل.

ويجسد الذكاء الاصطناعي في القطاع المالي مزيجًا من التطور التدريجي والتحول الثوري، إذ يعزز الدقة في إدارة البيانات والتنبؤات المالية، ويفتح الباب أمام أدوات استثمارية جديدة قادرة على إعادة تشكيل الأسواق.

الخلاصة

يتضح أن الذكاء الاصطناعي أصبح قوة محركة رئيسة للابتكار في مختلف القطاعات الاقتصادية، من الزراعة والصناعة والاتصالات إلى التسويق والنقل والمال.

فقد أسهم في تحسين كفاءة الأعمال، ورفع الإنتاجية، وخفض التكاليف، وتعزيز القدرة التنافسية. ومع تصاعد الاعتماد على تطبيقاته التنبؤية والتحليلية والروبوتية،

يُتوقع أن يتضاعف تأثيره في السنوات القادمة، بما يفتح المجال أمام فرص واسعة للنمو الاقتصادي المستدام، ويؤكد في الوقت ذاته على ضرورة تبني استراتيجيات متوازنة تراعي الأبعاد التقنية والتنظيمية.

المصادر

PwC: Sizing the Prize: What’s the real value of AI for your business and how can you capitalise?

ScienceDirect: Hybrid Advances, Vol. 7

مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار – العدد الأسبوعي رقم 219 (3 أكتوبر 2025)