الدبلوماسية العربية وثلاثة أصفار في مواجهة العدوان: قراءة موجزة في مشهد الانبطاح.

بقلم: _منصور بلعيدي_

في مشهد سياسي دولي بالغ الحساسية، شهدت أروقة الأمم المتحدة تمرير قرار أمريكي مثير للجدل، يقضي بنزع سلاح المقاومة الفلسطينية في غزة، دون أي إشارة إلى الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حق تقرير المصير وإنهاء الاحتلال. 
هذا القرار، الذي جاء في أعقاب مجازر مروعة ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي، يعكس بوضوح حجم الانحياز الدولي، لكنه يكشف أيضًا عن أزمة أعمق في الموقف العربي الرسمي.

ما جرى لم يكن مجرد فشل في التصويت أو غياب موقف موحد، بل كان تجسيدًا لما يمكن تسميته بـ ثلاثية الانحدار الدبلوماسي العربي
في"ثلاثة أصفار" في الدبلوماسية العربية:
- الصفر العربي الأول: اختزال القضية الفلسطينية في المساعدات الإنسانية.
بدلاً من الدفاع عن الحقوق السياسية والتاريخية للشعب الفلسطيني، اكتفى الموقف العربي بالمطالبة بإغاثة إنسانية، وكأن القضية مجرد أزمة غذاء أو دواء، لا احتلال واستعمار.

- الصفر العربي الثاني: التذرع بالتهديد الأمريكي.
برر بعض المندوبين العرب تمرير القرار بأنه جاء تحت ضغط أمريكي، بزعم أن رفضه سيؤدي إلى تجدد الحرب. 
هذا التبرير يعكس غياب الإرادة السياسية والوعي الاستراتيجي، ويؤكد أن القرار العربي بات يُصاغ في غرف واشنطن لا في العواصم العربية.

- الصفر العربي الثالث: التخلي عن الفيتو الروسي والصيني.
امتناع موسكو وبكين عن استخدام حق النقض (الفيتو) لم يكن موقفًا محايدًا، بل رسالة واضحة بأن العرب خذلوا قضيتهم، فلماذا يُنتظر من الآخرين أن يدافعوا عنها؟
 لقد بدا وكأن الصين وروسيا تقولان: "لسنا ملكيين أكثر من الملك".

في ظل هذا الانهيار الدبلوماسي، تبقى المقاومة الفلسطينية وحدها في الميدان كآخر خطوط الدفاع تواجه التنمر الأمريكي والدعم الغربي للاحتلال، وتدفع ثمن الخذلان العربي الرسمي. 
لقد أثبتت التجربة أن الشعوب لا تُحرر بقرارات أممية، بل بإرادة صلبة ومقاومة لا تلين.

ما يزيد المشهد قتامة هو أن هذا الانبطاح لا يُفسر فقط بالضعف السياسي، بل بانهيار منظومة القيم التي كانت تميز الشخصية العربية: الشهامة، العزة، الكرامة، ورفض الظلم. حين يتصدر المشهد العربي من لا وصف لهم الا بـ"المسوخ البشرية"، تغيب المروءة، ويُستبدل الإباء بالخنوع، وتُختزل القضايا الكبرى في مصالح ضيقة ومواقف رمادية.

وتلك حقاً هي أزمة القيادة العربية.. من الشهامة إلى... 


.