تحليل سياسي عن أبعاد تصريح الرئيس الزبيدي حول انضمام تعز ومأرب إلى الجنوب
في منعطف لافت ضمن المشهد اليمني المعقد، أطلق الرئيس عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، تصريحًا ذا دلالات عميقة خلال مقابلته مع قناة "الحرة"، حين أشار إلى وجود رغبة لدى مناطق مثل مأرب وتعز بالانضمام إلى دولة الجنوب، مبديًا عدم ممانعته لذلك شريطة الاتفاق على وضعها المستقبلي. هذا التصريح ليس مجرد مناورة سياسية عابرة، بل هو قراءة ذكية للواقع ورسالة متعددة الأبعاد ترسم ملامح جديدة للصراع وتضع القوى الإقليمية والدولية أمام حقائق مستجدة.
وعند القراءة في الأبعاد الاستراتيجية للتصريح
يمكن تفكيك دلالات هذا الخطاب عبر عدة محاور رئيسية، تتجاوز مجرد التعبير عن طموح سياسي لتلامس جوهر الصراع وهوية المستقبل في اليمن.
إثبات حقيقة الدولة الجنوبية كأمر واقع:
من وجهة نظري بأن هذا التصريح يمثل اعترافًا ضمنيًا من قبل قوى شمالية بدولة الجنوب ، فعندما يتحدث الزبيدي عن "مطالبات بالانضمام"، فهو لا يتحدث من منطلق الساعي للاعتراف، بل من موقع القائد الذي يملك مشروعًا سياسيًا جاذبًا ومستقرًا، أصبح ملاذًا ومحط أنظار الآخرين الذين أنهكتهم الفوضى والصراعات في مناطقهم. هذه النقطة تمثل تحولًا نوعيًا في الخطاب السياسي الجنوبي؛ من المطالبة بالاستقلال إلى التلويح بالقدرة على احتواء الآخرين وتوسيع النفوذ. إنه إعلان بأن الجنوب لم يعد مجرد "قضية" على طاولة المفاوضات، بل "دولة" قادرة على رسم خريطتها المستقبلية.
كما ". يرسل الزبيدي من خلال هذا الطرح رسالة استراتيجية بالغة الأهمية لدول التحالف، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. مفادها أن المجلس الانتقالي الجنوبي ليس مجرد لاعب محلي يسعى لفك الارتباط، بل هو حائط الصد الأكثر فعالية ضد التمدد الحوثي الإيراني. ففي الوقت الذي تتآكل فيه الشرعية في الشمال وتتفكك القوى التقليدية، يطرح الزبيدي الجنوب كقوة قادرة على احتواء وحماية التيار السني في مناطق استراتيجية مثل تعز ومأرب، ومنعها من السقوط في فلك المشروع الزيدي-الحوثي.
هذه الخطوة تفاجئ التحالف بالفعل، وتحديدًا المملكة التي قد تنظر إلى استعادة دولة الجنوب كعامل عدم استقرار. لكن الزبيدي يقلب المعادلة ليقول: إن الاستقرار الحقيقي يكمن في دعم قوة منظمة وذات مشروع واضح (الجنوب)، قادرة على تأمين الجغرافيا والمكونات السنية، بدلاً من دعم كيانات هشة ومخترقة في الشمال.
ثم لاحظ معي كيف قلب معادلة 1994 من الغزو بالقوة إلى الانضمام بالرغبة فبعد أن تم غزو الجنوب واحتلاله بقوة السلاح في حرب صيف 1994، ها هو التاريخ يدور دورته. اليوم، لم يعد الجنوب هو الطرف المغلوب على أمره، بل أصبح هو المركز الذي تتجه إليه الأنظار. إن مجرد الحديث عن رغبة شعبية في الشمال بالالتحاق بالجنوب هو انتصار سياسي ومعنوي ساحق. إنه يعكس فشل مشروع "الوحدة بالقوة" ويؤكد أن الشعوب تبحث عن الاستقرار والأمن والتنمية، وهي مقومات يبدو أن الجنوب، رغم كل التحديات، يقدم نموذجًا أكثر إقناعًا بها مقارنة بالمناطق التي تسيطر عليها أطراف الصراع الأخرى.
في الختام، يثبت الرئيس عيدروس الزبيدي من خلال تصريحه أنه ليس مجرد قائد فصيل عسكري، بل سياسي محنك يقرأ الخريطة ببراعة، ويستخدم الدبلوماسية والتصريحات الإعلامية كسلاح لا يقل فتكًا عن البندقية. إنه يضع خصومه وحلفاءه على حد سواء أمام خيارات صعبة، ويقدم مشروعه كحل لا يمكن تجاهله. لقد نجح في تحويل قضية الجنوب من مجرد "مشكلة داخلية" إلى "مفتاح للحل" في اليمن، وهو بذلك لا يكتب فصلًا جديدًا في تاريخ الجنوب فحسب، بل في تاريخ المنطقة بأكملها.