كل الأيام لك، يا معلمي!

بقلم: حسين السليماني الحنشي

مهنة المعلم هي المهنة الأكثر معنى وأكثرها خلودًا في تاريخ البشرية؛ لأنها تتعامل بشكل أساسي مع العقل الإنساني، الذي يُعتبر أشرف المخلوقات بالعقل الذي وهبه الله له. فكيف إذا تم تهيئة الظروف المحيطة به؟ كان عنصرًا أساسيًا في بناء الوطن. ولهذا يرجع الاهتمام إلى إيجاد الوسيلة من بناء المدارس وإعداد المعلمين، حتى يخرج منتجها وهو الإنسان الذي يحقق أهداف التنمية ويتقن مهنته...

إن المعلم أيضًا من بين تلك المهن هو الأكثر قدرًا واحترامًا. ففي الإسلام، ارتبط اسمه ومهنته بالأنبياء، ويُطلق عليهم "معلمي الناس الخير". وفي دول العالم التي أعطت للمهن حقوقًا، جعلت المعلم أكثرها حظًا؛ لأن المعلم يعتبر شخصية محورية ذات أهمية كبيرة للأوطان. فالمعلمون هم أساس بناء المجتمعات وتطويرها، ولهم دور كبير في تشكيل الأجيال القادمة.

حتى في الدول المتقدمة، يُعترف بأهمية دور المعلم ويُقدم لهم الدعم والاحترام اللازم. تذكرتُ موقفًا لمستشارة ألمانيا السابقة "أنجيلا ميركل" حينما طالبها الأطباء بزيادة رواتبهم، فقالت لهم: "لا أستطيع أن أساويكم بمن علمكم". هذه العبارة تعكس القيمة الكبيرة التي توجد عند الحكومات الرشيدة.

فالمعلم شخص يجمع بين صفات عظيمة لا تجدها في غيره. فهو شبيه بالأنبياء، وهو شريك لطلابه في علومهم وأعمالهم وثوابهم العمر كله. وأجر المعلم لا ينقطع حتى بعد مماته؛ فهو من قادنا إلى الطريق الصحيح. عندما تسهم الدولة في بناء هذا الإنسان، فهي تسهم في بناء الوطن وبناء التنمية المستدامة من جميع النواحي.

لذلك يمكن القول: "إن كل الأيام لك أيها المعلم"، فأنت أساس بناء المجتمعات وركيزة من ركائز تقدمها. فهل يعرف العالم اليوم ماذا يعاني المعلم في بلادي؟ فقد حاربه صناع القرار للأسف، بمنع راتبه الشهري، بل وتم إذلاله، حينما نراه يبكي ألم الحاجة... نراه يقف في طوابير من أجل أن ينال قطعة خبز أو يصرف له دواء أو يقف على الخطوط العامة كي يتصدق عليه المارة... نراه يدخل الأسواق خالي الوفاض ويخرج منها خالي الوفاض، بل ومشتت الفكر... فلا فلاحَ لتلك الدول والشعوب وهي تذل معلميها!!!

لقد وصل الأمر بالمعلم إلى الحضيض، فمن ينصفه اليوم؟ ونحن نلاحظ التهاني والتبريكات بمناسبة "عيد المعلم"، فهل أصبح عيدًا تُعاد فيه الحقوق؟ أم أن الجميع يرقص على جراح المعلم التي تنزف دون توقف؟ نعم، لا توجد دولة في العالم منعت الرواتب عن المعلمين، حتى شهر واحد، حتى الدول التي حصلت فيها الحروب العالمية لم تنقطع رواتب المعلمين.

فإذا رأيت المعلم لم يُعطَ حقه، فلا تحدث نفسك عن نهضة وطن؛ لأن المعلم هو الذي يصنع الأجيال التي تبني الوطن، فهو الأساس، فإذا هُدم هذا الأساس هُدم معه الوطن! إن الجائع لا يفقه من أمره شيئًا غير إشباع جوعه، فكيف إذا كان الجائع اليوم هو المعلم؟ فهل عجزت الدولة ورجالها الفاشلون أن يقدموا اعتذارًا للمعلم؟ أو يقدموا اعتذارهم للمواطن والطلاب عن توقف الدراسة؟ إن هذا لهو أكبر دليل على فشل هذه الدولة ومن يتزعمها!

فكيف يهنأ لهؤلاء القيادة أن يشاهدوا كل يوم المعلمين ودموعهم تسيل بين أولادهم؟! فكيف للقيادة إن كانت لها ذرة من الأخلاق أن تشاهد حال المعلمين وهم بهذه الأحوال والصور التي تدمي القلوب؟! فكيف سيبنون الوطن ويعيدون عجلة التنمية؟!!! إلى الله المشتكى، نشكو حكومة وحقوقًا مسلوبة...