ثورة 14 أكتوبر… مجد أُطفئ نوره

في مثل هذا اليوم من عام 1963، انطلقت من جبال ردفان شرارة الحرية، لتشعل في الجنوب ثورةً حملت حلم الكرامة والسيادة، وأعلنت أن لا وصاية على الإنسان ولا على الأرض.

 كانت ثورة الرابع عشر من أكتوبر وعدًا بميلاد وطنٍ يتساوى فيه الجميع، وتُصان فيه الحقوق، وتُبنى فيه الدولة على أساس العدل لا الولاء.

غير أن المشهد اليوم مختلف حد الوجع.

فالوطن الذي تحرر من المستعمر القديم، يرزح اليوم تحت استعمارٍ جديد، ليس بالبنادق ولا بالدبابات، بل بالفقر، والانقسام، وضياع البوصلة الوطنية.

تحرر الجسد، لكن الروح ما زالت أسيرة المصالح، والأسوار لم تعد من حديد، بل من فسادٍ وسكوتٍ وتناحرٍ داخلي أعمى.

تمر ذكرى الثورة كل عام، فنرفع الشعارات، ونزيّن الشوارع، ونتبادل الخطب، لكن قليلون هم من يسألون أنفسهم:

هل بقي من ثورتنا سوى الاسم والتاريخ؟

هل ما نعيشه اليوم امتداد لذلك المجد، أم خيانة صامتة له؟

لقد تحوّلت مبادئ أكتوبر إلى شعارات معلّبة، يُتاجر بها في زمنٍ صار فيه الوطن سلعة تُقسَّم، والمواطن رقمًا يُهمّش.

والأدهى أن من كانوا يُفترض أن يكونوا حُماةً للثورة، صاروا اليوم عنوانًا للخذلان، يتحدثون عن الوطن بأفواهٍ لا تعرف الجوع، وعن الشعب بأيدٍ لم تلمس التراب منذ زمن.

في الجنوب، الناس لا يحتفلون بذكرى الثورة بقدر ما يستعيدون وجعها.

يتذكرون كيف كانت الحناجر تصرخ من أجل الكرامة، وكيف صارت اليوم تصرخ من أجل الراتب، من أجل الكهرباء، من أجل لقمة تسد الرمق.

الثورة التي حررت الأرض، تنتظر اليوم من يحرر معناها.

من يعيد للكرامة حضورها، وللحق صوته، وللشعب ثقته بأن هذا الوطن ما زال يستحق النضال.

قد تمر المناسبات، وقد تُنسى الشعارات، لكن الحقيقة تبقى واضحة:

لم تنتهِ ثورة أكتوبر، بل اختُطفت، وما زالت تبحث عن من يعيدها إلى أصحابها.