الرئيس العليمي والقضية الجنوبية.. من نهج التهدئة إلى رؤية الدولة العادلة
منذ توليه رئاسة مجلس القيادة الرئاسي في أبريل 2022، حرص الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي على إدارة المشهد اليمني بعقلية رجل الدولة، مستندًا إلى خبرة طويلة في مؤسسات الحكم والأمن والسياسة، ورؤية وطنية تتعامل مع التحديات كفرص لبناء مستقبلٍ أكثر استقرارًا وعدلاً. وقد كانت القضية الجنوبية محورًا رئيسيًا في تلك الرؤية، إذ أدرك العليمي مبكرًا أنها ليست مجرد مطلب سياسي، بل قضية وطنية ذات جذور تاريخية تحتاج إلى معالجة شاملة تحفظ الحقوق وتعيد الثقة في مؤسسات الدولة.
منذ الأيام الأولى لتوليه المنصب، اتخذ الرئيس العليمي خطوات عملية لترسيخ مبدأ الشراكة الوطنية، بدءًا من تشكيل مجلس القيادة الرئاسي بتمثيلٍ متوازن للقوى الجنوبية، مرورًا بإشراك القيادات الجنوبية في مفاصل القرار داخل الحكومة والأجهزة الأمنية والعسكرية، وانتهاءً بجهوده الدبلوماسية التي سعت إلى إبقاء الجنوب جزءًا من الحل الوطني لا بوابةً لأزمات جديدة.
وفي أكثر من خطاب، أكد العليمي أن “القضية الجنوبية العادلة لا يمكن تجاوزها، ولا يمكن حلّها إلا في إطار دولة اتحادية تضمن العدالة والمواطنة المتساوية”، مضيفًا أن “الشراكة الحقيقية هي أساس بناء الدولة، وليست منّة من أحد على أحد”. وقد ترجم ذلك بتوجيهاته للحكومة بدفع المرتبات لكافة الوحدات العسكرية والأمنية في المحافظات الجنوبية دون تمييز، وإطلاق مشاريع خدمية وتنموية في عدن وحضرموت والمهرة وأبين، بما يعكس التزامه بتحسين الواقع المعيشي كمدخل للتهدئة السياسية وبناء الثقة.
ورغم تصاعد نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي وسيطرته على الأرض في معظم محافظات الجنوب، ظل الرئيس العليمي متمسكًا بخيار الحوار و”سياسة النفس الطويل”، كما يصفها مراقبون، لتجنب الصدام وتغليب المصلحة الوطنية على الحسابات الفئوية. وبينما يرى بعض المراقبين أن ذلك يُظهر ضعفًا في الحسم، فإن آخرين يرونه نمطًا من القيادة الهادئة التي توازن بين الواقعية والحكمة في إدارة ملفات معقدة. وقد عبّر العليمي عن ذلك بوضوح حين قال: “لسنا في سباق من ينتصر على الآخر، بل في سباق من يعيد للدولة حضورها وهيبتها في كل شبر من الوطن.”
ولم تقتصر جهود الرئيس العليمي على الملف السياسي، بل امتدت إلى المجال الاقتصادي والإداري، حيث أطلق سلسلة من الإصلاحات المالية والإجرائية تهدف إلى استعادة الثقة في مؤسسات الدولة، وضمان الشفافية في الموارد العامة. وقد وجّه الحكومة مرارًا بإعادة هيكلة مؤسسات الإيرادات، وتعزيز قدرات البنك المركزي، ومراقبة الإنفاق العام، والعمل على استقرار العملة الوطنية بالتنسيق مع شركاء الدعم الإقليمي والدولي. كما دعم مساعي توسيع شبكات الحماية الاجتماعية وتحسين الخدمات الأساسية في قطاعات الكهرباء والمياه والصحة والتعليم، رغم صعوبة المرحلة وضيق الموارد.
وفي كلمته الأخيرة بمناسبة الذكرى الـ61 لثورة 26 سبتمبر، شدد العليمي على أن “اليمن الاتحادي هو مشروع المستقبل، ودولته ستكون قوية بعدالة نظامها، وغنية بإمكانات أبنائها، وقادرة على استيعاب تنوعهم في إطار وطني واحد”. وهي رؤية تؤكد أن الرئيس لا يتعامل مع اللحظة الراهنة فقط، بل يؤسس لمسار مستقبلي يعيد لليمن مكانته ويضمن للجنوبيين حقوقهم كشركاء في الوطن لا كأطراف متنازعين عليه.
وبين من يرى في الرئيس رشاد العليمي رجل التوازنات الصعبة، ومن يراه رجل الدولة الذي يعمل بصمت على تفكيك الأزمات وبناء الدولة من جديد، يظل الثابت أن هذا القائد يمضي بخطى واثقة في طريقٍ طويل، يؤمن أن نهايته ستكون يمنًا اتحاديًا آمنًا، مزدهرًا، وشاملًا لكل أبنائه.