سقوط سيدٍ مزعوم

في ذلك اليوم الرمادي من خريف اليمن، حين سقطت صنعاء في قبضة الحوثيين، لم يكن خالد مجود الصعدي، عضو مجلس النواب، يرى في سقوط العاصمة سوى فرصة. 

شدّ رحاله إلى صعدة، وهناك، في عمق الجبال الباردة، وقف أمام رموز السلالة الهاشمية، مدعياً أنه "سيد حسيني"، وأن الله ساق أسرته قبل مئات السنين إلى ريمة ليحكمها باسمه.
 "هذا أمر معروف هناك"، قالها بثقة، وكأن التاريخ كتب على مقاسه.

عاد إلى صنعاء منتشياً، وقد رسم في خياله صورة لزعيم روحي جديد، ينتسب إلى بيت النبوة، ويحكم باسمه. 
لكنه كان بحاجة إلى شاهد، إلى من يضفي على كذبته شرعية، فاختار والدي الشيخ سعد مراد، رجل لا يجامل في الحق، ولا يهاب في قول الحقيقة لومة لائم.
اتصل الصعدي بوالدي، وحكى له قصة رحلته، ثم دعاه إلى مجلس مقيل في اليوم التالي، حيث سيستقبل كبار قادة الحوثيين من صعدة.
قال له بابتسامة ماكرة: "أريدك أن تكون شاهداً على أصالة الأسر الهاشمية في ريمة.
" وافق والدي، بطيب نيته، وهو يعلم ما يُدبّر خلف تلك الدعوة.
في اليوم التالي، اتصل الصعدي بأبي باكراً: "اشتريت لك القات... تعال نتغدى سوا."
 ذهب والدي إلى منزله، تغديا، شربا الشاي، وبدأت جلسة القات. 

بعد قليل، دخل الضيوف، رجال بعمائم وأوجه صارمة، وقد جهّز الصعدي لهم استقبالاً يليق بالملوك، وجمع له شخصيات بارزة من ريمة وما حولها.
جلسوا، تبادلوا الكلمات، ثم التفت الصعدي إلى الضيوف وقال بفخر: "معنا هنا مرجعية ريميّة، يعرف الأنساب والأصول... الشيخ سعد."
ابتسم والدي، رحّب بهم، وبدأ حديثه العذب الذي يأسر القلوب. 
قال: "ما ثبت عندنا في ريمة بالبصائر والوثائق والمراقيم وشجرات النسب، أن الأسر الهاشمية في ريمة تشمل: بيت السيد المنفضة، بيت السيد المكفته، بيت السيد البندورة، بيت السيد التنكة، بيت السيد قمر، بيت السيد الأحمر بيت السيد الشعيبة..." وظل يعدد بيوتاً معروفة، صادقة النسب.

قاطعه أحد الضيوف: "يا شيخ سعد، هل يوجد في ريمة بيت حسني أو حسيني؟"
رد أبي بحزم: "لا، لم يثبت لدينا أي بيت بهذه الأسماء."
سأله آخر، وقد بدأ القلق يتسلل إلى وجه الصعدي: "وما أعمال هؤلاء السادة عندكم؟"
قال أبي: "أغلبهم يأكلون من عرق جبينهم؛ منهم من يحرث خلف الثيران، ومنهم المضمج، والخابطي، والكاسبي، والمصلح في المواشي، وبعضهم يكتب عزائم للأبقار والمرضى."
هنا انفجر أحدهم: "هؤلاء لا يمتّون لآل البيت بصلة! لا نعترف بهم."

ثم سأل: "وبيت الصعدي؟ هل هم هاشميون؟"
قال أبي ببساطة قاتلة: "لا، هم من القبائل، وهذا موثق عندنا."
في تلك اللحظة، تلون وجه الصعدي كقوس قزح، ارتبك، أشار لأبي أن يتوقف، حاول أن يقاطعه، لكن والدي لم يمنحه الفرصة، أسكته بلطف، وأكمل حديثه وكأن شيئاً لم يكن.
تحوّل الصعدي أمام ضيوفه من سيدٍ مُدّعى إلى قبليّ مكشوف، وسقط الحلم الذي بناه في صعدة على رؤوسهم جميعاً. 

غادر الضيوف المجلس، غاضبين، مخذولين.
وعند الباب، قال الصعدي لوالدي، بصوتٍ مخنوق: "يا شيخ سعد، كنت تقتلني ولا تفضحني هكذا."
رد عليه، وهو يهم بجمع أدواته: "هل كذبت؟ أتريدني أن أُهين نفسي وأجامل في الحق داخل بيتك؟"
غادر والدي، وترك خلفه مجلساً غارقاً في الصمت.

في الأيام التالية، صار ما جرى حديث المجالس من ريمة إلى صنعاء، وضحك البعض، غمز البعض، لكن الجميع اتفق على أمرٍ واحد: أن الكذبة حين تُفضح، تسقط لا على صاحبها فحسب، بل على من استند عليها.
رحم الله والدي، كان صادقاً كالنهر، لا يعرف أن يسقي إلا من ماء الحقيقة.