من غزة إلى الفاشر: العرب في مذبحة الصمت
بقلم | علي هادي الأصحري
أي عار هذا؟
أي خزي يلاحق أمةٍ من المحيط إلى الخليج؟ لم تجرِ بعدُ مآسي غزة من ذاكرتنا: الأطفال تحت الأنقاض، الأمهات اللواتي فاضت أجفانهن، وفيما نحن ننوح على ما فقدناه، تفجّرت جراحٌ جديدة في السودان — وفي مقدمها الفاشر، تلك المدينة الجريحة التي تُذبح أمام مرأى العالم وصمته.
المرعب أن الفاعلين ليسوا غرباء بالضرورة؛ إنما هم من بني جلدتنا، ينهشون وطنهم سكاكين من داخل البيت، ويُمدُّون أيديهم الملوثة بالمال لتغذية الفتنة. وما يزيد الطين بلّة أن جزءاً من هذا المال مصدره خليجي، وتحدد السياسات والدعم طرقًا يُعاد عبرها رسم المشهد السياسي بطرقٍ تُؤدي إلى تدمير المجتمعات وإضعافها.
من اليمن إلى ليبيا، ومن غزة إلى الفاشر، تتكرر نفس البصمة: أموالًا تُغدق لتُحمّل السلاح وتُقوّض الاستقرار، وعقولاً تُعوَّم على خطابٍ لا يفقه من الإسلام إلا اسمه. هذا لا يمكن أن يمر بلا حساب؛ لأن من يشتري السلاح من عرق الفقراء ويذبح به شعوبًا تطمح إلى الحرية هو مرتكب جريمة أخلاقية وسياسية.
نحنُ نحتاج إلى موقف عربي جماعي صريح وواضح:
أن تُجرّم سياسات تمويل العنف داخل العالم العربي؛
أن تُفرض مساءلة واضحة على أي فاعل يُغذّي الصراع من داخل المنطقة؛
وأن يُدعم الشعب الفلسطيني، والسودانيون، وغيرهم من ضحايا النزاعات ببرامج إنسانية وسياسية حقيقية تُنهي دور السلاح في الحياة العامة.
لن أقول «اللهم عليك» كدعاء تبريرٍ للعنف، بل سأقول: اللهم إنصف المظلومين، واجعل الحق طريقًا للمحاسبة، واجعل العدالة أقوى من سيف المجرمين السياسيين. وندعو المجتمع الدولي والأقطاب العربية أن يتحملوا مسؤولياتهم: حماية المدنيين، وقف أي تمويل يُغذي مآسي الشعوب، والعمل على حلول سياسية حقيقية تنهي دوامة العنف.
ألمٌ واحد يجمعنا، لكن الاستسلام للصمت أو التكتيكات الانتهازية لن يوقف هذه المآسي. لنعمل بدلًا من الصمت: نستنصر بالقانون، نتحرّك بالضغط الدبلوماسي، وندافع عن إنسانيتنا بالوقوف إلى جانب المظلومين. فكلٌّ منا مدعو اليوم لأن يكون صوتًا للمظلوم لا مرافقًا لصمتٍ يُشرّع للمزيد من القتل والانقسام.


