يوم بلا جماعات ارهابية مسلّحة… هل تتخيّل كم سنتنفس؟  

بقلم أ.د. سمير الشرجبي*

في عيادة الأسنان، ليس من السهل أن تتحدّث… فمفتوحٌ فمك، ومشدودٌ فكّك، والحديث مؤجّل حتى إشعارٍ آخر.  
ومع ذلك، وجدت بين جلسة وأخرى فرصةً لحديثٍ عابر مع طبيب الأسنان — ذلك الحوار الذي يبدأ أحيانًا بنكتة وينتهي بتحليلٍ سياسي!

تحدّثنا عن الإجراءات الأمنية المكثّفة في مصر، وهي تستعدّ لحدثٍ حضاري كبير: افتتاح المتحف المصري الكبير، هديّة مصر الجديدة للعالم.  
وفي خضمّ هذا الاستعداد الحضاري، لا يزال القلق حاضرًا بسبب الجماعات الإرهابية الإسلاموية، التي تُعدّ أحد أهم أسباب الخوف والتّوتّر وانعدام الاستقرار في منطقتنا.  
بدل أن تفخر هذه الجماعات بالتحف، تصنع التفجيرات. وبدل أن تحرس التاريخ، تهدّم الحاضر وتفجّر المستقبل.

قال لي الطبيب: "تخيّل فقط لو اختفت هذه الجماعات ليومٍ واحدٍ فقط، بكلّ فصائلها ومليشياتها، في عالمنا العربي والإسلامي."

تأمّلتُ قوله كثيرًا، وسرَحتُ مع الفكرة:  
تخيّل أن يتوقّف صوتُ السّلاح، وصوتُ المنابر التي تُحرّض باسم الله، والإعلام الذي يُبرّر الدم باسم "الحقّ الإلهي"...  
تخيّل أن تستيقظ العواصم والمدن على صمتِ الحياة الطبيعيّ، لا على جلبةِ القتلِ المقدّس، لا على صيحاتِ الكراهية، ولا على بياناتِ "الفتح والنّصر" الملطّخة بالدم.

في اليمن، ستصحو المدن على هدوءٍ لم تعرفه منذ سنين، وسيرتفع عن رقاب اليمنيين سيفُ التسلّط والبندقية، وتُعاد الحقوق إلى أهلها.  
سينتهي زمنُ الوصاية المفروضة باسم الخلافة أو الولاية أو السلالة أو العِرْق، ويزول فكرُ الولاء والبراء الذي قسّم الناس وشوّه جوهر الإيمان.  
في ذلك اليوم، ستنبض الوحدة اليمنية من جديد في قلوب الناس، حبًّا واختيارًا لا خوفًا وفرضًا، ولا خوف بعده من تمزّق أو انفصال، لأن من أشعلوا نار الفُرقة سيكونوا قد غابوا، ومعهم من كان يقتات على الكراهية والانقسام.

في السودان، سيتوقّف القتال على الهُوِّيّات، وسيعود الناس إلى بيوتهم بدل المخيّمات.  
في ليبيا، لن يسمع أحد رصاص "الشرعية" ولا "الثورة".  
في لبنان، سيتنفس المواطن بلا خوف من سلاحٍ فوق الدّولة.  
في سوريا، ستحلّ المدنية محلّ تسلّط المليشيات وبارونات الحرب، وتستعيد الدولة السورية وجهها الحقيقي… وجه الناس، لا وجه البنادق.  
في العراق، سيزول شبح الميليشيات التي صادرت الدولة باسم الطائفة.  
وفي إيران وأفغانستان، سيستيقظ الناس على يومٍ لا تُفرَض فيه العقيدة بالسّلاح، ولا تُقمَع فيه الحرّية باسم السماء.

يومٌ واحد بلا هذه الجماعات… سيكون كافيًا لتكتشف الشعوب أن ما عانته ليس من الدين، بل من الذين اختطفوه وجعلوه أداةً للسلطةِ والنهبِ والقهر.

يومٌ بلا سلاح العقيدة، سيكشف أن الله لا يحتاج من يحارب باسمه، بل من يعمّر الأرض بالعدل والرحمة.  
يومٌ بلا الميليشيات، سيعيد للناس قدرتهم على الإيمان دون خوف، والانتماء دون إكراه، والحبّ دون تهديد.

نحن في أُمّةٍ تعيش الخوف والدمار والتهجير، منذ أن استقوَت هذه الجماعات، وأمسكت بسلطة الدولة وسلاحها، واحتكرت الدين والمال والإعلام.  
حوّلت مجتمعاتنا إلى جحيمٍ مفتوح، باسم الجنة الموعودة.  
حوّلت الدين من رسالة محبّة إلى أداة قهر، وحوّلت الإنسانَ العربي من كائنٍ حرّ إلى مشروعِ ضحيّةٍ أو مشروعِ مقاتِل.

نحلم بيومٍ واحدٍ فقط…  
يومٍ نعيشه بلا وصاية، ولا سيد، ولا شيخ، ولا إمام،  
يومٍ يسود فيه صوتُ الحياة بديلًا عن صوتِ الموت،  
ويولد فيه الإنسان العربي الحرّ، الذي لا يرفعَ سلاحًا، ولا يخفض رأسه إلا لله، والحقيقة، والكرامة.

*أكاديمي يمني