اليمن أمام مفترق جديد.. ووعي أبين سر القيادة
حين يعلن وزير الخارجية اليمني أن «اللعبة انتهت»، فذلك ليس مجرد تصريح عابر في مشهد يمني مثقل بالأزمات، بل هو مؤشر على نهاية مرحلة وبداية أخرى تتشكل ملامحها بين الرياض ومسقط وصنعاء وعدن. فالمعادلة السياسية في اليمن اليوم لم تعد تحتمل المراوغة أو الخطاب العاطفي، بل تتطلب وعياً وطنياً ناضجاً يقرأ التحولات بعمق ويميز بين الممكن والمستحيل.
لقد أثبتت السنوات الماضية أن أي قوة سياسية – جنوبية كانت أو شمالية – لا تستطيع أن تفرض حضورها في المشهد ما لم تكن جزءاً من مشروع وطني جامع، يستند إلى رؤية واقعية لا إلى ردود أفعال أو اصطفافات آنية. ومن هنا، فإن دعوة العقلاء إلى مراجعة الذات وتقييم التجربة ليست ضعفاً بل قوة، لأن من يمتلك الشجاعة لمواجهة أخطائه يمتلك القدرة على تصحيح المسار.
أبين.. مدرسة الاتزان والقيادة
منذ فجر التاريخ السياسي الحديث لليمن، ظلت أبين عنواناً للاتزان وميزاناً للعقل السياسي في الجنوب، ومركزاً لتوازن القوة والقرار. فمنها خرجت قيادات جمعت بين الحزم والحكمة، وكانت صلة الوصل بين كل المكونات الوطنية.
أبين لم تكن يوماً ساحة للانقسام، بل كانت الحاضنة التي تُصلح ذات البين، والميدان الذي يحفظ لليمنيين توازنهم كلما جنحوا نحو الصراع.
القيادة ليست شعاراً يُرفع في الأزمات، بل هي قدرة على الفهم العميق والتصرف في اللحظة الحرجة دون انفعال، وهو ما ميّز رجال أبين في كل المراحل. فبينما انشغلت بعض القوى بالخطابات الحادة وردود الفعل، ظل أبناء أبين ينظرون إلى المصلحة الوطنية من زاوية أشمل: الحفاظ على وحدة القرار الجنوبي أولاً، وحماية الدولة من التفكك ثانياً.
بين الانفعال والرؤية
ما يحدث اليوم من جدل سياسي حول مستقبل الجنوب ليس سوى نتيجة طبيعية لتراكمات من الارتجال وغياب المشروع المتكامل. فحين تسيطر لغة التخوين وتغيب الثقة، تفقد القوى السياسية قدرتها على الفعل.
لكن ما نحتاجه في هذه المرحلة هو قيادة تمتلك الرؤية لا الانفعال، والحكمة لا الضجيج، والموقف الوطني لا الاصطفاف المصلحي.
وهنا يتجلى الدور التاريخي لأبين ورموزها، في إعادة التوازن للمشهد، ودعوة الجميع إلى تغليب منطق الدولة على منطق الجماعة، ومنطق الحوار على منطق السلاح.
مرحلة جديدة تستدعي رجال دولة
اليمن اليوم على أعتاب تسوية كبرى، لن تكون سهلة ولن تُرضي كل الأطراف، لكنها قد تفتح نافذة نحو الاستقرار إذا أحسنّا التعاطي معها بعقلانية.
ولن يتحقق ذلك إلا حين تتقدم قيادات تمتلك شرعية الموقف الوطني، لا شرعية الولاء الخارجي.
وهنا يتأكد أن الوعي الأبيني – الذي عُرف بالتوازن والوسطية – هو رصيد ثمين لا غنى عنه في هندسة مستقبل الجنوب واليمن عموماً.
كلمة أخيرة
نعم، قد تكون “اللعبة القديمة” انتهت، لكن اللعبة الوطنية الحقيقية بدأت الآن، لعبة بناء الدولة واستعادة القرار والكرامة.
وفي هذه اللعبة، لا مكان للمزايدات أو الانقسامات، بل للثبات والعقل والحكمة.
ومن يقرأ التاريخ جيداً يدرك أن أبين – برجالها ووعيها – كانت وستظل حجر الزاوية في ميزان القيادة اليمنية.


